كاتب الشبهة: محمّد تقي تاريخ الشبهة: ١٤٣٦/٤/٢٠

ذكر العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في كتاب «العودة إلى الإسلام» السيّد جمال الدين، وقدّمه بصفة شخص أرسل لعلماء المسلمين رسائل كشخص مصلح، لكنّهم أبوا الإستماع للقول الصائب بسبب التكبّر. طبعًا لا شكّ أنّ بعض العلماء يعانون من التكبّر، ولا نقاش في أنّ السيّد جمال الدين كانت له أيضًا مطالب صحيحة، ولكنّ الملاحظة هي أنّه في بعض المصادر، تمّ تقديم السيّد جمال الدين كجاسوس للحكومة البريطانيّة وماسونيّ يعمل لصالحها، ويخدم مصالح الشيطان في مظهر إسلاميّ وإلهيّ. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هوّية هذا الشخص مبهمة بحيث أنّ البعض يعتبرونه من أهل همدان في إيران، والبعض من أهل أفغانستان.

كتب إسماعيل رائين في كتابه المشهور «بيت النسيان والماسونية في إيران»:

«السيّد جمال الدين الأسدآبادي المعروف بالأفغاني، هو أحد الماسونيّين الأوائل في إيران، حيث انتسب إلى تسع محافل ماسونيّة. فهو كان رئيس ومستقبل محفل بيت النسيان لملكم...».

كما ورد في بعض المصادر أنّه لم يكن من أهل العمل بفرائض شهر رمضان، وكان يشرب الكنياك في القاهرة، وأنكر وجود اللّه...!

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٦/٤/٢٠

لقد أشار العلامة المنصور الهاشمي الخراساني، في نحو خمسة أسطر من كتاب «العودة إلى الإسلام» بمناسبة البحث حول «تكبّر العلماء»[١] إلى السيّد جمال الدين وقال:

«كما عندما كتب السيّد جمال الدّين (ت١٣١٤هـ) رسائل إلى بعض العلماء المسلمين ودعاهم إلى اليقظة أمام الكفّار والوقوف في وجه الإستعمار، لم يجبه كثير منهم؛ لأنّهم كانوا يحسبون أنفسهم أعلم منه بما يجب وما لا يجب، ويعتقدون أنّ شأنهم أجلّ من أن يحدّد لهم المهمّة رجل مغمور وغير معروف! حتّى الميرزا حسن الشيرازيّ (ت١٣١٢هـ) الذي أجاب دعوته في البداية وأصدر فتوى بتحريم التبغ، سرعان ما ندم على عمله؛ لأنّه ظنّ أنّ السيّد جمال الدّين قد خدعه!»

فيما يتعلّق بهذا المقطع من بيانه الصائب، من الضروريّ الإنتباه إلى النقاط التالية:

أولًا إنّ مراسلات السيّد جمال الدين مع «بعض العلماء المسلمين» ودعوتهم إلى «اليقظة أمام الكفّار والوقوف ضدّ الإستعمار»، هي حقيقة تاريخيّة مشهورة لا جدال فيها، ووثائقها موجودة في كتب بعض طلّابه مثل محمّد عبده وطلّاب طلّابه مثل محمّد رشيد رضا؛ كما أنّ عدم إجابة بعض هؤلاء العلماء على رسائله، أمر مشهور مسلّم به قد انعكس في العديد من الكتب التاريخيّة، ولم يكن له بطبيعة الحال سبب سوى تكبّرهم؛ لأنّ هذه الرسائل كانت إمّا صحيحة أو خاطئة في رأيهم، وعلى أيّ حال كان من الضروريّ الإجابة عليها؛ بالنظر إلى أنّ على العالم أن يصدّق الحقّ ويكذّب الباطل، ولا وجه لصمته تجاه الحقّ أو الباطل، إلا التكبّر الذي يمنعه من المبالاة به. من الأمثلة الملموسة على ذلك هو أنّ كتاب «العودة إلى الإسلام» للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني تمّ إرساله إلى العديد من علماء المسلمين، ولكن معظمهم التزموا الصمت تجاهه بسبب تكبّرهم؛ لأنّهم يحسبون أنّ التعليق عليه دخول في مسائل تافهة وغير مناسب لعظمتهم، ويفضّلون أن يعلّق عليه سفهاء ورعاع الناس بدلًا منهم!

ثانيًا لم يحكم العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في أيّ عبارة من عباراته على شخصيّة السيّد جمال الدين، وإنّما فقطّ على فعل معيّن من أفعاله، وهو مراسلته مع بعض العلماء المسلمين ودعوتهم إلى اليقظة أمام الكفّار والوقوف ضدّ الإستعمار، بل الحقّ هو أنّه لم يحكم حتّى على هذا الفعل المعيّن فيما يتعلّق بالسيّد جمال الدين، وأنّ حكمه متوجّه إلى بعض العلماء المسلمين؛ بمعنى أنّ بعض العلماء المسلمين تجاهلوا رسائل السيّد جمال الدين تكبّرًا، ولم يكن هذا عملًا صالحًا منهم، بغضّ النظر عمّا إذا كان السيّد جمال الدين محقًّا أم مبطلًا. كما أنّ استخفافهم بكتاب العلامة المنصور الهاشمي الخراساني، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا موافقين عليه أم لا، ليس له أيّ مبرّر، وينشأ فقطّ عن تكبّرهم؛ لأنّهم إذا كانوا موافقين عليه، فعليهم أن يبدوا موافقتهم، وإذا كانوا مخالفين له، فعليهم أن يبدوا مخالفتهم، وفي كلتا الحالتين، لا معنى لصمتهم تجاهه. على كلّ حال، فإنّ العلامة المنصور الهاشمي الخراساني كره وتجنّب الحكم على السيّد جمال الدين لدرجة أنّه اكتفى بذكر اسمه مجرّدًا عن لاحقة «الأفغاني» أو «الأسدآبادي» لئلّا يدخل في تنازع الجاهلين حول جنسيّته!

ثالثًا إذا «في بعض المصادر، تمّ تقديم السيّد جمال الدين كجاسوس للحكومة البريطانيّة وماسونيّ يعمل لصالحها، ويخدم مصالح الشيطان في مظهر إسلاميّ وإلهيّ»، في بعض المصادر الأخرى تمّ تقديمه كعالم مسلم ومتحرّر لم يكن له همّ سوى خدمة الإسلام وإنقاذ المسلمين من مؤامرة الإستعمار، وقام بدور فعّال في تشكيل وانتشار التيّارات الإسلاميّة المعتدلة في العالم العربيّ ولذلك، لا يوجد سبب لترجيح المصادر الأولى على المصادر الثانية، بل الحقّ هو أنّ المصادر الثانية أحقّ بالترجيح من المصادر الأولى؛ لأنّه أولًا كون هذا الرجل مسلمًا واضح ممّا بقي من أقواله ودعوته العلنيّة إلى الإسلام والقرآن؛ ثانيًا الأصل في كلّ مسلم براءته وصحّة عمله حتّى يثبت خلاف ذلك بالطرق العقليّة والشرعيّة المعتبرة ولذلك، لا تجوز إساءة الظنّ بهذا الرجل؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ[٢]؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ الرجال الناقدين والإصلاحيّين مثله كثيرًا ما يواجهون افتراءات من أعدائهم، وأنّ الافتراء عليهم أمر شائع جدًّا؛ كما ترى اليوم أنّ أعداء العلامة المنصور الهاشمي الخراساني يوجّهون إليه افتراءات كثيرة ويدّعون حوله دعاوي مختلفة، في حين أنّ أيًّا منها ليس له أساس من الصحّة وكلّها ينشأ عن العداوة والبغضاء.

رابعًا أولئك الذين يتّهمون السيّد جمال الدين بعلاقات سرّية مع الحكومة البريطانيّة، غالبًا ليسوا معروفين وموثوقين أكثر منه؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّهم يدّعون وصولهم إلى معلومات سرّيّة تتعارض مع الأصل والظاهر ولا يصل إليها غالبًا إلا من كان لديه علاقة سرّيّة مع الحكومة البريطانيّة أو حكومة أخرى مثلها!

خامسًا حتّى لو كان دخول السيّد جمال الدين إلى التنظيمات المخفيّة أمرًا صحيحًا، ليس من المعلوم غرضه من ذلك. فلعلّ غرضه كان النفوذ فيها من أجل التعرّف على أفكار أهلها والتمكّن من ضربها.

الحاصل أنّه، من ناحية، لم يصدر العلامة المنصور الهاشمي الخراساني أيّ حكم معيّن حول شخصيّة السيّد جمال الدين حتّى يكون هناك مجال لنقده ومناقشته، ومن ناحية أخرى، كان الظاهر من حال السيّد جمال الدين صلاحًا، والأصل العقليّ والشرعيّ فيه هو البراءة، ولا يوجد أيّ دليل حاسم على كفره وفسقه وجاسوسيّته، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[٣].

↑[٢] . الحجرات/ ١٢
↑[٣] . آل عمران/ ١٥٤