كاتب السؤال: رضا الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٣/٢٤

كثيرًا ما رأينا وسمعنا أنّ غير المسلمين، حتّى الملحدين أو البوذيّين أو عبّاد البقر، قد فازوا بشفاء أمراضهم وقضاء حوائجهم من خلال زيارة معابدهم وأماكنهم المقدّسة. من فضلكم أوضحوا لنا كيف يتمّ هذا؟!

الاجابة على السؤال: ٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٤/٢

إنّما شفاء الناس من عند اللّه وهو الذي يقضي حوائجهم، سواء كانوا يعلمون ذلك أم كانوا عنه غافلين؛ كما قال تعالى مشيرًا إلى المسلمين والكافرين: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[١]، وقال: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ[٢]، وذلك يتمّ على وجهين:

الوجه الأوّل رزق اللّه ورحمته؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا[٣]، وقال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[٤]، ومن ثمّ لا يقطع رزق منكريه لإنكارهم ولا يتجاهل حاجة أعدائه لعداوتهم؛ لأنّه إن كانوا هم لا يعرفونه فإنّه يعرفهم، وإن كانوا هم لا يعتنون به فإنّه يعتني بهم، وهذا هو مظهر رحمانيّته وتجلّي اسمه «أرحم الراحمين»؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

كُنْتُ مَعَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ فِي مَسْجِدٍ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى فَيَقُولُ: «يَا مَنْ يُؤْتِي مَنْ لَا يَسْأَلُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ تَحَنُّنًا مِنْهُ وَرَحْمَةً»، فَأَخَذَهُ الْبُكَاءُ ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا، يُؤْتِي مَنْ لَا يَسْأَلُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَمَنْ يَسْأَلُ غَيْرَهُ، يَأْتِي إِلَى شَجَرٍ فَيَسْأَلُهُ، فَيُؤْتِيهِ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ يَقُولُ: «آتَانِيَ الشَّجَرُ»، وَأَنَّى لِلشَّجَرِ أَنْ يُؤْتِيَهُ؟! أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.[٥]

الوجه الثاني مكر اللّه وفتنته، وذلك لأنّ اللّه تعالى إذا علم من عبد إعراضًا عن حقّ ورغبة في باطل فأراد إضلاله، زيّن له سوء عمله وجعل له ما يلبّس عليه دينه ويزيده غيًّا، وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا[٦]، وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ[٨]، وقوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[٩]، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[١٠]، وقوله تعالى: ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ[١١]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا[١٢]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[١٣]، وقوله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[١٤]، وغير ذلك من الآيات، وهذا كما أخبرنا به بعض أصحابنا، قال:

قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: هَلْ تَعْرِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ رَجُلًا أَظْلَمَ وَأَطْغَى مِنْ فُلَانٍ؟ يَعْنِي رَجُلًا مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ، فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا يَزَالُ إِنْسَانٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَأَى مِنَ الْأَحْلَامِ وَالْخَوَارِقِ مَا يُصَدِّقُهُ! فَقَالَ: يَا فُلَانُ! إِنَّهُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَفِتْنَتِهِ، إِنَّهُ إِذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ زَيْغًا مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، أَضَلَّهُ مِنْ حَيْثُ يَسْتَهْدِي، ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ[١٥]! فَمَكَثَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: يَا فُلَانُ! إِيَّاكَ وَجِدَالَ كُلِّ مَفْتُونٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَفْتُونٍ مُلَقَّنٌ حُجَّتَهُ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ خَرَّتْ عَلَيْهِ فِتْنَتُهُ فَأَهْلَكَتْهُ.[١٦]

↑[١] . الإسراء/ ٢٠
↑[٢] . الشّورى/ ٢٠
↑[٣] . هود/ ٦
↑[٤] . الأعراف/ ١٥٦
↑[٦] . البقرة/ ١٠
↑[٧] . البقرة/ ١٥
↑[٨] . النّمل/ ٤
↑[٩] . الأنعام/ ١١٠
↑[١٠] . الأنعام/ ١٠٨
↑[١١] . إبراهيم/ ٢٧
↑[١٢] . نوح/ ٢٤
↑[١٣] . الأعراف/ ١٨٦
↑[١٤] . الأنفال/ ٣٠
↑[١٥] . غافر/ ٣٤
↑[١٦] . القول ٥٧، الفقرة ١٣