الخميس ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٥ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
شؤون نبيّ اللّه

إنّ العديد من أحكام اللّه لها طبيعة عامّة وسياسيّة، وبالتّالي لا يمكن تنفيذها إلّا من خلال ممارسة السّلطة، في حين أنّ ممارسة السّلطة تعني الحكومة، وهي بطبيعتها مختصّة باللّه، ولا يستحقّها أحد غيره. بناء على هذا، فكما أنّه يجب على اللّه أن يجعل واسطة لتبليغ أحكامه، فكذلك يجب عليه أن يجعل واسطة لتطبيق أحكامه أيضًا؛ لا سيّما بالنّظر إلى أنّ تعيين الحكم دون تعيين مطبّق له، ليس له ضمان للتطبيق ولا يفي بالغرض، ولذلك فإنّه مخالف لسيرة العقلاء، بل تعيين الحكم دون تعيين حاكم يعني تعليق تطبيقه على اختيار النّاس، وهو كتعليق ذلك على الحظّ والصّدفة، بل هو في الواقع تكليف النّاس بما لا يطيقونه حتّى في حالة اختيارهم له؛ لأنّ تطبيق الحكم بشكل كامل يتطلّب العلم بكلّ موضوع له في العالم، وهو أمر غير ممكن للنّاس بسبب جهلهم الذاتيّ، ومن الواضح أنّ تطبيقه بشكل ناقص لا يجزي... لذلك، فإنّ أنبياء اللّه كانوا مكلّفين بتطبيق أحكام اللّه بين النّاس، كما كانوا مكلّفين بتبليغها، وكان كلا الأمرين شأنهم. مع ذلك، يبدو أنّ مباشرتهم لتطبيق أحكام اللّه، بخلاف مباشرتهم لتبليغها، ليست ضروريّة، بل يجوز أن يقوموا به عن طريق الإستنابة؛ أي يتّخذ النّبيّ لتطبيق أحكام اللّه وممارسة حكومته في الأرض نائبًا. [العودة إلى الإسلام، ص٢١٨ و٢١٩]

شؤون نبيّ اللّه

إنّ للّه بين النّاس مباشرين يمكن أن يكونا متّحدين في الذات أو مختلفين: أحدهما المباشر في تبليغ أحكامه، وهو يسمّى بـ«النّبيّ» و«الرّسول»، والآخر المباشر في تطبيقها بينهم، وهو يسمّى بـ«الملك» و«الإمام» و«خليفة اللّه في الأرض»، وذلك لأنّهم بحاجة إلى هداية اللّه في مجالين: أحدهما المجال الكلّيّ لمعرفة مشيئة اللّه، وهو ما له طابع نظريّ ويتجلّى في شكل العلم بأحكام اللّه، والآخر المجال الجزئيّ لمعرفة ما تتعلّق به مشيئة اللّه، وهو ما له طابع عمليّ ويتجلّى في شكل العلم بموضوعات أحكام اللّه ويُعتبر أساس الحكومة الإلهيّة. [العودة إلى الإسلام، ص٢٢١]

ضرورة معيار المعرفة

لمعرفة أيّ شيء في العالم لا بدّ من معيار، ومعرفة الإسلام غير مستثناة من هذه القاعدة. المقصود من المعرفة تمييز شيء من شيء آخر، كتمييز الحسن من السيّء، أو الحقّ من الباطل، أو الصحيح من الخطأ، وهذا ممكن إذا كان هناك معيار للتمييز. من الواضح أنّه لا يمكن الحكم بدون معيار، وعلى فرض إمكانه سيحكم كلّ شخص بشكل مختلف، وهذا سيجعل الحكم مستحيلًا في النهاية؛ لأنّه لن يمكن بدون معيار أن يميّز بين صحيح الأحكام وغير صحيحها. فلعلّ الإختلاف الذي يوجد بين المسلمين وقد أدّى إلى ضعفهم وقوّة أعدائهم، قد نشأ من فقدانهم لمعيار المعرفة أو عدم التزامهم به، وهذا يجعل الحاجة إلى معيار المعرفة والإلتزام به أكثر وضوحًا. [العودة إلى الإسلام، ص٢١]

وحدة معيار المعرفة

اختلاف المسلمين ناشئ من اختلاف معارفهم بالإسلام؛ بمعنى أنّ الأفراد والجماعات المختلفة من المسلمين، لديهم معارف مختلفة بالإسلام، ولا يتحمّلون معارف الآخرين به. من الواضح أنّه لا يمكن التخلّص من هذا الإختلاف بدون الحصول على معرفة واحدة، وللحصول على معرفة واحدة لا بدّ من معيار واحد. المعايير المتعدّدة توجب معارف متعدّدة، والمعارف المتعدّدة تسبّب الإختلاف، والإختلاف ليس حسنًا للمسلمين؛ كما قال اللّه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وهذا أيضًا شاهد على أنّ حبل اللّه واحد؛ لأنّه لو كان متعدّدًا لم يكن الإعتصام به يؤدّي إلى الإتّحاد، بل كان بذاته سببًا للتفرقة! علاوة على ذلك، يجب الإنتباه إلى أنّ الحقّ له ماهيّة واحدة لا تتجزّأ؛ لأنّه ليس في حقيقته إلّا الوجود الذي له ذات بسيطة لا تتبعّض، وهذا مستلزم لوحدة معرفته، وبالتّالي وحدة معيار معرفته. بعبارة أخرى، إنّ الحقّ هو تكوين اللّه أو تشريعه الذي قد نشأ من وحدته الذاتيّة، ولذلك ليس فيه اختلاف، ولا يمكن أن يوجد مختلفًا؛ كما قال اللّه فيما يتعلّق بتكوينه: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ، وقال فيما يتعلّق بتشريعه: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. بناء على هذا، فإنّ الحقّ، سواء كان تكوين اللّه أو تشريعه، له وجود واحد لا يتعدّد، وكلّ ما سواه يُعتبر باطلًا؛ كما قال اللّه: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ. [العودة إلى الإسلام، ص٢١ و٢٢]

الإنسانيّون

إنّ عالم الكفر اليوم، تحت تأثير أمثال مكيافيلي (ت١٥٢٧م) من الفلاسفة الملحدين الذين ورثوا السوفسطائيّين، قد جعلوا القيم الأخلاقيّة تابعة لأهوائهم، وقدّموا للمفاهيم الأساسيّة تعاريف جديدة تختلف عن تعاريفها الفطريّة والتاريخيّة. كمثال على ذلك، قد وجد العدل والحرّيّة في قاموسهم معاني جديدة تقوم أكثر من أيّ شيء آخر على النسبيّة في نظرتهم للعالم. الحقّ في زعمهم، تمامًا كما في زعم السوفسطائيّين، هو تابع لرأيهم، وكلّ شيء يتوافق مع مصالحهم فهو حسن، وكلّ شيء لا يتوافق مع مصالحهم فهو سيّء! من الواضح أنّ إعطاء الأصالة للإنسان هذا هو حركة ضدّ إعطاء الأصالة للّه، والذين أسّسوا بنيانهم على ذلك لم يكونوا مؤمنين باللّه؛ لأنّ في النظرة الإلهيّة للعالم، مصدر الحقّ هو اللّه ويُعتبر الإنسان تابعًا للحقّ، في حين أنّ في النظرة الإلحاديّة للعالم، مصدر الحقّ هو الإنسان ولا دور للّه فيه. بعبارة أخرى، فإنّ الإعتقاد بوحدانيّة الحقّ هو اعتقاد توحيديّ نشأ من الإعتقاد بوحدانيّة اللّه على أنّه مصدر الحقّ، في حين أنّ الإعتقاد بتعدّد الحقّ هو اعتقاد شركيّ نشأ من إنكار وحدانيّة اللّه والإعتقاد بمصادر متعدّدة للحقّ. [العودة إلى الإسلام، ص٢٣]

جزء من رسالة جنابه يصف فيها أحوال النّاس، ويحذّرهم من عاقبة أمرهم.

قَدْ ذَهَبَ الصِّدْقُ مِنْ حَيَاتِكُمْ، وَحَلَّ مَحَلَّهُ الْكِذْبُ. قَدْ قَامَتْ عَنْكُمُ الْمَوَدَّةُ، وَقَعَدَ مَقْعَدَهَا الْبَغْضَاءُ. لَا يُوَقِّرُ صَغِيرُكُمْ كَبِيرَكُمْ، وَلَا يَرْحَمُ كَبِيرُكُمْ صَغِيرَكُمْ. قَدْ فَارَقَتْ حَيَاتَكُمُ الْبَرَكَةُ، وَضَحَلَتْ أَنْهَارُكُمُ الْجَارِيَةُ. قَدْ أَمْسَكَتِ السَّمَاءُ عَنْكُمْ، وَخَسَّتْ مَحَاصِيلُ أَرْضِكُمْ. قَدْ تَعَوَّدْتُمْ عَلَى حَالَتِكُمُ الرَّهِيبَةِ، وَلَا تَشْعُرُونَ بِالْمَرَضِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى أَنْفُسِكُمْ. فَالْآنَ انْتَبِهُوا بِصَوْتِي حِينَمَا أَصِيحُ عَلَيْكُمْ، وَعُودُوا إِلَى رُشْدِكُمْ حِينَمَا أَمُسُّكُمْ بِعَصَايَ؛ وَإِلَّا فَإِنَّ هَذِهِ الْغَفْلَةَ وَالْجَهَالَةَ سَتَجْتَاحُ حَيَاتَكُمْ، وَتُحَوِّلُ يَوْمَكُمْ إِلَى لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، كَحَرِيقٍ مُشْتَعِلٍ تُزَمْجِرُ أَلْسِنَتُهُ، وَيَحْبِسُ دُخَانُهُ أَنْفَاسَكُمْ. [الرسالة الثانية والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ فَلَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُدِيرُ دَوْرَةَ الْحَيَاةِ. هُوَ الشَّارِعُ وَالْحَاكِمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ. لَا تَسْأَلْ حَاجَتَكَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا تَحْلِفْ إِلَّا بِاسْمِهِ. لَا تَسْتَغِثْ بِغَائِبٍ، وَلَا تَعْقِدْ عَلَى قَبْرٍ. لَا تَتَوَسَّلْ بِشَجَرٍ، وَلَا تَسْتَعِذْ بِحَجَرٍ. لَا تُطِعْ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، أَعْنِي مَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ. إِنَّ اللَّهَ يَكْفِيكَ، وَلَسْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى غَيْرِهِ. احْذَرْهُ، وَاحْتَطْ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِكَ. اسْلُكْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُلُوكًا حَسَنًا، لِكَيْ لَا يَغْضِبَ عَلَيْكَ، فَيَضْرِبَكَ، فَتُلْقَى فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ابْتَغِ رِضْوَانَهُ، لِيَلْطُفَ بِكَ، وَيُوصِلَكَ إِلَى مَا تُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اتَّخَذَ أَحَدًا وَلِيًّا آتَاهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَإِذَا اتَّخَذَهُ عَدُوًّا فَلَا تَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِهِ! [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

اتَّقِ اللَّهَ لِتَزْكُوَ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى مِنْهُ كَمَاءٍ سَاخِنٍ، يُزِيلُ الْوَسَخَ، وَيُذْهِبُ الْبُقْعَةَ. اعْتَقِدْهُ حَاضِرًا فِي الْخَلْوَةِ وَنَاظِرًا فِي الظُّلْمَةِ، لِكَيْ لَا تُغِرَّكَ الظُّلْمَةُ، وَلَا تُجَرِّئَكَ الْخَلْوَةُ. إِنَّهُ الْقَاضِي، وَالشَّاهِدُ، وَالْمُدَّعِي، وَآخِذُ الْمُجْرِمِ، وَمُعَاقِبُهُ. فَهَلِ الْمُجْرِمُ لَا يُبَالِي بِالشَّاهِدِ، وَلَا يَخَافُ مِنَ الْقَاضِي؟! إِنَّهُ يَعْلَمُ مَكْرَكَ حِينَ تَمْكُرُ، وَيَسْمَعُ نَجْوَاكَ حِينَ تُنَاجِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. أَفَلَا تَهْتَمُّ بِعِرْضِكَ، وَلَا تَسْتَحْيِي مِنَ الْحَاضِرِ وَالنَّاظِرِ؟! [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه، يعظه فيها ويخوّفه من اللّه.

مَاذَا تَفْعَلُ عِنْدَمَا يَأْتِي الْمَوْتُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ، وَيُوضَعُ الْمِيزَانُ، وَتُسْعَرُ الْجَحِيمُ؟! فَهَلْ يُنْجِيكَ الْمَالُ أَمِ الْإِيمَانُ، وَيَنْفَعُكَ الْمَنْصِبُ أَمِ التَّقْوَى؟! كُنْ مُؤْمِنًا لِتَعِيشَ، وَلَازِمِ التَّقْوَى لِتَسْعَدَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ لَا إِيمَانَ لَهُمْ سَيَهْلِكُونَ، وَالَّذِينَ لَا تَقْوَى لَهُمْ سَيَشْقَوْنَ؛ كَالَّذِينَ قَدِ ارْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ، فَيَقُولُونَ: «لَا إِلَهَ»، وَيَقُولُونَ: «مَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؟!»، وَيَسْخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ نَسُوا أَيَّامَ اللَّهِ، وَتَجَاهَلُوا آيَاتِهِ، وَفَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ تَرَكُوا عُقُولَهُمْ وَيَعِيشُونَ عِيشَةَ الْبَهَائِمِ؛ أَوْ كَالَّذِينَ قَدْ وَهَنُوا فِي دِينِهِمْ، فَلَا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَلَا يَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيَأْكُلُونَ الرِّبَا، وَيَتَّبِعُونَ الشَّهْوَةَ، وَيَخُوضُونَ الْبَاطِلَ، لِيُنَجِّسُوا الْأَرْضَ بِالْفُجُورِ وَيَمْلَؤُوهَا بِالْفِسْقِ، لِتَزُولَ عَنْهَا الْبَرَكَةُ، وَيَنْزِلَ عَلَيْهَا الْبَلَاءُ، وَلَا يَكُونَ مُنْقِذٌ. فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، بَلْ أَمْسِكْ إِيمَانَكَ وَإِنْ هَبَّ الْكُفْرُ كَإِعْصَارٍ، وَلَا يَهِنَ تَقْوَاكَ وَإِنْ هَزَّ الْإِثْمُ كَزِلْزَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّابِرِينَ هُمْ أَوْتَادُ الْأَرْضِ، أَوْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ. بِيُمْنِهِمْ تُنَزَّلُ النِّعْمَةُ، وَيُؤَخَّرُ الْعَذَابُ. [الرسالة الثالثة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

تَحْتَرِقُ الدُّنْيَا فِي حَرِيقِ الْبَلَاءِ، وَهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ! يَقُولُونَ: مَا سَبَبُ هَذَا الْوَبَاءِ؟! وَهَذَا الْجَفَافِ وَالْحَرِّ الْقَاتِلِ؟! وَهَذِهِ السُّيُولِ وَالزَّلَازِلِ الْمُتَتَالِيَةِ؟! وَهَذَا الْفَقْرِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ؟! وَهَذَا الْخَوْفِ وَالْإِضْطِرَابِ الْعَامِّ؟! هَلْ هُوَ خَطَأُ إِنْسَانٍ، أَمْ مُؤَامَرَةٌ، أَمْ حَدَثٌ طَبِيعِيٌّ؟! هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ! وَقَدْ تَسَبَّبَ عَنْ عَقَائِدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ! أَحَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا، وَتُعْرِضُوا عَنِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَتَتَّخِذُوا حُكَّامًا مِنْ دُونِهِ، لَنْ يَنَالَكُمْ مَكْرُوهٌ؟! أَمْ حَسِبْتُمْ أَنَّكُمْ إِنْ تَظْلِمُوا، وَتَسْفِكُوا الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَتَغْرِقُوا فِي أَكْلِ الرِّبَا وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَتَزِيدُوا ذَنْبًا عَلَى ذَنْبٍ، لَنْ تَكُونَ لَهُ تَبِعَةٌ؟! كَلَّا! ثُمَّ كَلَّا! بَلْ سَيُصْبِحُ كُفْرُكُمْ نَارًا تُحْرِقُكُمْ، وَذُنُوبُكُمْ إِعْصَارًا يُذْهِبُكُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فِي الْمَغَارَاتِ وَشُقُوقِ الصُّخُورِ وَالْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ! فَهَلْ تَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، أَمْ تَحْسَبُونَهُ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟! كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَذَّبُوا بِإِنْذَارِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّخَذُوهُ هُزُوًا، وَقَالُوا: ﴿مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَثَرٌ، وَبَقِيَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ خِرْبَةٌ يَسْكُنُهَا الْبُومُ وَالسَّبُعُ! لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَرْقَهُ وَسَمِعُوا رَعْدَهُ عَلِمُوا أَنَّ إِنْذَارَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ حَقًّا، وَلَكِنْ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، إِذْ لَمْ تَكُنْ فُرْصَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

في الإستجارة بالمسلمين، ليتمكّن من تعليمهم والتمهيد لظهور المهديّ.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ لَقِيَ بَلَاءً وَتَطْرِيدًا، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ وَهُوَ خَائِفٌ مُتَرَقِّبٌ يَمْشِي وَيَقُولُ: مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ وَأَعْمَلَ بِمَا فِيهِ؟! أَمَّنْ يُجِيرُنِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فِيهَا بَلَاغٌ لِقَوْمٍ عَابِدِينَ؟! أَمَّنْ يُعِينُنِي حَتَّى أُبَيِّنَ أُمُورًا وَأُغَيِّرَ أُخْرَى؟! اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ ثَبَتَتْ لِي قَدَمَايَ لَوَطَّئْتُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُلْطَانَهُ [يعني للمهديّ]. [الفقرة ٣ من القول ٣٢]

في تعريف العلم وأصله

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ لِيُرِيَهُ فِيهِ مَا يَكُونُ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجْهَدُوا أَنْفُسَهُمْ وَرَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِكَيْ يَعْلَمُوا مِمَّا يَكُونُ شَيْئًا لَا يَعْلَمُونَهُ حَتَّى يُعَلِّمَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. [القول ٣٥]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُنْكِرُ الْمَهْدِيَّ وَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ! قَالَ: أَفَيُنْكِرُهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟! كَالْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ! قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: سَوْفَ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، قُلْتُ: أَفَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكْفُرُونَ حَتَّى يَجْحَدُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ. [الفقرة ١ من القول ٣٦]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: رِوَايَةٌ يَرْوُونَهَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي يَعْنِي الْمَهْدِيَّ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ إِذَا أَنْكَرَهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ فَقَدْ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الِّذِي تَسْتَعْجِلُونَ. [الفقرة ٢ من القول ٣٦]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: لَقَدْ حَيَّرَتْنِي آيَةٌ فِي الْقُرْآنِ! قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، فَأَيْنَ الضَّالُّ الَّذِي لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ؟! قَالَ: يَا فُلَانُ! إِنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّتَيْنِ مَا دَامَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَصْبَحُوا ثَلَاثَ أُمَمٍ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً ضَالَّةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَهْدِيُّ، فَإِذَا أَتَاهُمُ الْمَهْدِيُّ أَصْبَحُوا أُمَّتَيْنِ كَمَا كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، قُلْتُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ مِنَ اللَّهِ كَمَا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ! [الفقرة ٣ من القول ٣٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَمَا أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ طَرِيقًا إِلَى عِبَادَتِهِ. فَإِنْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً؛ كَمَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَقَتَلُوهُ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوهُ إِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَلَكِنَّهُمْ إِنْ قَتَلُوهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُحْيُوهُ وَالْإِمَامُ إِذَا كَانَ مُخْتَفِيًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ بِدُعَائِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبَعْضِ الصَّالِحِينَ وَرُبَمَا يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ دُونِ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَلَكِنَّهُ إِنْ مَاتَ لَا يَسْتَطِيعُ شَيْئًا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يُخْفِيَ الْإِمَامَ إِذَا عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ الشَّرَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمِيتَهُ مِنْ دُونِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بَدِيلًا. [الباب ١، الدرس ٧٩]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ بَعْضُ الْكَارِهِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُوَافِقُ الْعَقْلَ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [ت٤٩٥ه‍] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَالْمَوْضُوعُ حَدِيثٌ صَحَّحُوهُ لِيُعَارِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُخَالِفُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِـ«مَا يُوعَدُونَ» الْعَذَابَ أَوِ السَّاعَةَ فَلَمْ يَأْتِيَا أُمَّتَهُ إِذْ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْتِلَافَ فَقَدْ أَتَاهُمْ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمْ، بَلْ أَصْحَابُهُ أَسَّسُوا بُنْيَانَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقُلْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَالظَّنُّ أَنَّهُ حَرَّفَ الْحَدِيثَ بُغْضًا لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْجَاهِلُ مَنْ أَمِنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. [الباب ١، الدرس ٨٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا قاعدة السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى فهي حجّيّة الخبر المتواتر وعدم حجّيّة خبر الواحد، والخبر المتواتر عنده ما يرويه في كلّ طبقة أكثر من أربعة رجال، بشرط أن لا يكونوا قرناء، ولا يتناقضوا في المعنى، ولا يكون ما يروونه مخالفًا لكتاب اللّه أو الثابت من سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو العقل السليم، وأمّا ما يرويه في كلّ طبقة أربعة رجال فهو عنده في حكم المتواتر أيضًا، بشرط أن يكونوا عدولًا، بالإضافة إلى الشروط السابقة، وهذا ما يوجب النظر في حال الرواة إذا لم يتجاوزوا أربعة رجال، وأمّا النظر في حالهم إذا كانوا أقلّ من ذلك أو أكثر فهو ما يفعله السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى على سبيل الإلزام؛ لأنّ جمهور المسلمين يقولون بحجّيّة خبر الواحد إذا كان ثقة أو صدوقًا، وربما لا يعتبرون خبر خمسة رجال متواترًا، فيختار السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى ما يرويه ثقاتهم وأهل الصدق عندهم ليكون حجّة عليهم ولعلّهم يهتدون. [المقدّمة]

الإقراض بشرط أن يردّ المقترض أكثر من المال الذي حصل عليه في الواقع بنسبة معيّنة، هو ربا حرّمه اللّه تعالى في كتابه وإن كان باسم العمولة؛ لأنّ تغيير الإسم لا يغيّر المسمّى، والأعمال بالنيّة. القرض الحسن هو أن يتمّ الإقراض دون شرط لردّ مال زائد ودون شرط لغرامة التأخير، وهذا ما لا يقوم به البنوك؛ لأنّ البنوك تبتغي الربح، ولا تبتغي الثواب ولذلك، لا تقوم بما لا ربح لها فيه. ومن ثمّ حذّر العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى المؤمنين من الرجوع إلى البنوك، وحثّهم على الرجوع إلى بعضهم البعض؛ لأنّ الرجوع إلى البنوك إمّا وقوع في حرام بيّن أو وقوع في مشتبه، وليس من الصواب الوقوع في المشتبه أيضًا؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبَهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى فَيُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ». [السؤال والجواب ٧٧ التعليقات]

لا يجوز قتل إنسان إلا بإذن إمام عادل سدًّا لذريعة الهرج، وهو لا يأذن بقتل مسلم إلا إذا كان قاتل النفس التي حرّم اللّه أو مفسدًا في الأرض... نعم، يجب على كلّ مسلم دفع الظالم الذي يعتدي على نفسه أو أهله أو ماله بكلّ طريقة ممكنة، وإن قتله مدافعًا فلا إثم عليه إذا لم يكن ليندفع إلا بالقتل، وإن استنصر المسلمين لذلك يجب عليهم النصر، بموجب الولاية بين المؤمنين، ووجوب النهي عن المنكر، وقول اللّه تعالى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وأمّا إذا تخاصم حاكمان ظالمان، أو خرج ظالم من الرعيّة على ظالم من الحكّام، فلا يجوز إعانة أحدهما على الآخر، لعدم جواز إعانة الظالم مطلقًا، سواء كان من الحكّام أو من الرعايا، وسواء كان حاكم البلد الذي يسكن فيه المسلم أو من بلد آخر، إلا إذا كان أحد الظالمين مسلمًا والآخر غير مسلم؛ ففي هذه الحالة لا بدّ من إعانة الظالم المسلم على الظالم غير المسلم لئلّا يتسلّط غير المسلم على المسلم؛ نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. [السؤال والجواب ٦٩]

لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه مع عدوّه عمدًا؛ لأنّ اللّه تعالى نهى عن قتل النفس بصيغة مطلقة فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، وقال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وليس في السنّة ما يقيّد ذلك؛ إذ لم يأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يثبت فعله عن أحد من الصحابة، بغضّ النظر عن حقيقة أنّ السنّة لا تستطيع نسخ القرآن ولا تخصيصه، ومن المسلّم به أنّ الغاية لا تبرّر الوسيلة في الإسلام، وهذا يعني أنّه لا يجوز التوصّل إلى ما يحلّ فعله وهو قتل العدوّ بما يحرم فعله وهو قتل النفس؛ لأنّ الحلال لا يدرك بالحرام، وقد نبّه المنصور حفظه اللّه تعالى على أنّ ذلك عمل جاهليّ. [السؤال والجواب ٦٩]

لا خلاف بين المسلمين في عدم وجوب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة؛ لأنّ أكثر الروايات الواردة في وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خالية من ذكره، ولو كان واجبًا لم تخل من ذكره؛ لأنّه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكنّهم اختلفوا في حكمه بعد الإتّفاق على عدم وجوبه؛ فرأى أكثرهم أنّه مستحبّ، لوروده في بعض الروايات، ورأى قوم أنّه غير مستحبّ؛ لأنّ الأوجب المصير إلى الروايات التي ليست فيها هذه الزيادة؛ نظرًا لأنّها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنّما هي من باب الإستعانة. ثمّ اختلفوا هؤلاء فيما بينهم؛ فرأى بعضهم -وهم أكثر المالكيّة- أنّه مكروه؛ لأنّه من الإعتماد، والإعتماد في الصلاة مكروه، إلا في النافلة إذا طال القيام، ورأى بعضهم -وهم أكثر الإماميّة- أنّه حرام يبطل الصلاة؛ لما روي عن أهل البيت من النهي عن ذلك... لكنّه غير صريح في حرمته، فضلًا عن مبطليّته، بل هو أدلّ على الكراهة التي ذهب إليها أكثر المالكيّة وبعض الإماميّة؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه لا يخلّ بالقيام ولا ينافي الطمأنينة ولا يفسد هيئة الصلاة ولا يعتبر بدعة فاحشة، وعليه فلا يبقى إلا الكراهة، وهي الحقّ عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى... وبهذا قال عبد اللّه بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، وابن جريج، وليث بن سعد، ومحمّد بن سيرين، وغيرهم. [السؤال والجواب ٦٥]

وأمّا مسجد جمكران في قم فمن المساجد المستحدثة، وليس للصلاة فيه فضل خاصّ، بل نسب بنائه إلى المهديّ استنادًا إلى حكاية غير معتبرة عن رجل مجهول يقال له حسن بن مثلة الجمكراني، بمنزلة الكذب عليه، والكذب عليه يعتبر إثمًا كبيرًا، وقيل أنّ الحكاية كانت مذكورة في كتاب «تاريخ قم» للحسن بن محمّد بن الحسن القمي نقلًا عن كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحقّ واليقين» لمحمّد بن علي بن بابويه، قاله المجلسيّ والنوريّ، ولم يُذكر لمحمّد بن علي بن بابويه كتاب بهذا الإسم، ولم يبق كتاب تاريخ قم للحسن بن محمّد، والموجود ترجمته بالفارسيّة للحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي المتوفّى سنة ٨٠٥، ولا توجد فيها تلك الحكاية، ولا يوجد فيها ذكر من مسجد بجمكران، إلا قوله: «يقال أنّ أوّل مسجد بني في هذه المنطقة قبل ورود العرب عليها مسجد قرية جمكران، وقد بناه رجل من المسلمين اسمه خطّاب بن الأسديّ وكان يصلّي فيه وحده»، ومن الواضح أنّ هذا لا صلة له بتلك الحكاية، وممّا يدلّ على كذب النسبة إلى محمّد بن علي بن بابويه ما روي عن حسن بن مثلة من قوله في صدر الحكاية: «كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ٣٩٣ نائمًا في بيتي، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من النّاس على باب بيتي، فأيقظوني وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنّه يدعوك»؛ لأنّ محمّد بن علي بن بابويه مات سنة ٣٨١، فليس من الممكن ذكره لهذه الحكاية! [السؤال والجواب ٥٩]

من الواضح أنّ عقل الإنسان هو أداته الوحيدة للتشخيص؛ لأنّه إذا كان لا يمكنه التشخيص بعقله، فبأيّ عضو من أعضائه يمكنه أن يشخّص؟! نعم، يكون عقله قادرًا على التشخيص عندما لا يكون مبتلى بموانع المعرفة؛ لأنّ موانع المعرفة ستمنعه من التشخيص، وهذا هو السّبب في أنّ الكثير من الناس لا ينجحون في التشخيص؛ بالنظر إلى أنّهم مبتلون بموانع مثل الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدنيويّة والتعصّب والتكبّر والنزعة الخرافيّة، ومن ثمّ لا يمكنهم الإستفادة من عقولهم كما ينبغي. من هذا يعلم أنّ فشل الناس في التشخيص يرجع إلى «موانع المعرفة»، ولا يرجع إلى «معيار المعرفة»؛ لأنّ معيار المعرفة هو نور من الملكوت وليس فيه ظلمة، لكنّ موانع المعرفة هي التي تمنع كحجب من وصوله إلى بعض الأشياء، وتدخلها في الظلمات. [الشبهة والرّدّ ٢٦]

لحسن الحظّ، كثير من الأحكام الضروريّة والأساسيّة للإسلام، مثل أركان الصلاة والصوم والزكاة والحجّ، تُعرف من خلال كتاب اللّه وأخبار النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة، وبالتالي يمكن العمل بها ويجزئ، ولكن لأجل التيقّن بسائر أحكام الإسلام وإبراء الذمّة منها، لا بدّ من الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض، وهذا ما هو ممكن عند المنصور الهاشميّ الخراسانيّ؛ لأنّ مانع الرجوع إليه ليس سوى تقصير الناس في توفير الشروط المسبّقة لذلك، وبالتالي فإنّ إزالة هذا المانع بمعنى توفير الشروط المسبّقة للرجوع إليه أمر ممكن بالنسبة لهم، وإذا كان ذلك يتطلّب اجتماع مجموعة كافية منهم ولا يجتمع مجموعة كافية منهم، ليس ذنب المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، بل ذنب الناس أنفسهم ومن يمنعهم من ذلك. لذلك، فإنّ هذا الوضع «غير المنطقيّ جدًّا» الذي حيّرك هو وضع قدّمته أيدي الناس ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ؛ مثل اللصوص الذين دخلوا بيتًا، فضاق عليهم وقت الصلاة، بحيث لا بدّ لهم من إقامتها فيه ولكنّ صلاتهم فيه باطلة وهذا وضع «غير منطقيّ جدًّا» هم أوقعوا أنفسهم فيه بسوء اختيارهم، وبالتالي لا يصحّح صلاتهم في بيت الناس؛ كما بيّن المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هذا الواقع المرير والمؤسف بالتفصيل في قسم «عواقب عدم ظهور المهديّ للنّاس» من كتابه «العودة إلى الإسلام»، عسى أن يدرك المسلمون ذلّتهم ومسكنتهم في غيبة المهديّ، فيرجعوا إليه في أقرب وقت ممكن. نعم، هذا الممهّد لظهور المهديّ، ينبّأ مسلمي العالم بوقوعهم في «مأزق هائل» ويدعوهم إلى الخروج منه بتقديم حلول واضحة وعمليّة، لكنّ أكثرهم لا يسمعون نداءه، أو يسمعون ولا يفقهون، إلّا قليلًا منهم الذين امتحن اللّه قلوبهم للإيمان وهم أكفياء إن شاء اللّه. [الشبهة والرّدّ ١]

إنّك لم تقل أيّ قول من أقوال المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى شيء تفرّد به ولم يقله عالم ولا فقيه ولا مجتهد قبله! إذا كنت تقصد قوله بأنّ أهل البيت أحقّ بالخلافة من غيرهم، فقد قال به جمع غفير من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وإذا كنت تقصد قوله بأنّه لا يجوز سبّ أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقد قال به أئمّة أهل البيت وسائر صلحاء الأمّة، بل لا نعرف أحدًا لم يقل بذلك ماعدا سفهاء الشيعة، وإذا كنت تقصد قوله بعدم جواز تقليد غير المعصوم، فقد قال به الكثير من العلماء والفقهاء والمجتهدين من القرن الأول حتّى الآن، بل لا نعرف أحدًا منهم لم يقل بذلك في القرون الأولى، وإذا كنت تقصد قوله بعدم حجّيّة خبر الواحد، فقد قال به الكثير من العلماء والفقهاء والمجتهدين في القرون الأولى، بل كان أبو حنيفة (ت١٥٠هـ) -الذي يقلّده نصف المسلمين- يسمّي خبر الواحد «رِيحًا» و«خُرَافَةً» ويقول: «حُكَّهُ بِذَنَبِ خِنْزِيرٍ» وكان الشريف المرتضى (ت٤٣٦هـ) من أساطين الشيعة يقول: «إِنَّ أَصْحَابَنَا كُلَّهُمْ، سَلَفَهُمْ وَخَلَفَهُمْ، وَمُتَقَدِّمَهُمْ وَمُتَأَخِّرَهُمْ، يَمْنَعُونَ مِنَ الْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ» وكان ابن إدريس الحلّيّ (ت٥٩٨هـ) يقول: «فَهَلْ هَدَمَ الْإِسْلَامَ إِلَّا هِيَ؟! يَعْنِي أَخْبَارَ الْآحَادِ»، وإذا كنت تقصد قوله في علّة غيبة المهديّ، فقد قال به أعاظم قدماء الإماميّة؛ كما قال أبو جعفر الطوسيّ (ت٤٦٠هـ): «لَا عِلَّةَ تَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِهِ إِلَّا خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ» وإذا كنت تقصد قوله بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه، فقد قال به الشيعة كلّهم ماعدا قليلًا من المتأخّرين ممّن لا قدم له في العلم، وهكذا سائر أقواله الطيّبة في كتاب «العودة إلى الإسلام»؛ فإنّه لا شيء منها إلا وله أصل في القرآن والسنّة، ودليل من العقل، وقائل من السّلف الصالح. [الشبهة والرّدّ ٢]

حقيقة أنّك لم تكن تعرف العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ولم تسمع باسمه من قبل، لا تعني أنه غير موجود؛ كما قال العقلاء: «عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود»، وكما أنّك بالتأكيد لا تعرف الكثير من علماء العالم الإسلاميّ في بلاد مختلفة ولم تسمع بأسمائهم، ومع ذلك فإنّهم موجودون، وسواء كنت تعرف ذلك أم لا، فإنّهم يباشرون أنشطتهم العلميّة والثقافيّة. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أنّ «الإنترنت» ليست لوح اللّه المحفوظ حتّى تحتوي على السير والصور لجميع عباد اللّه، بل هي شبكة أنشأها الكفّار والظالمون لترويج ثقافتهم ونشرها في العالم ولذلك، فإنّ السير والصور الخاصّة بهم وأوليائهم وفيرة فيها، ولكنّ السير والصور للعديد من عباد اللّه الصالحين غير موجودة فيها! نعم، للأسف، أنت تحت تأثير إيحاءات الجهلة والمرضى وأصحاب الدعايات المغرضة، وإلا فإنّك تعلم أنّ أكثر عباد اللّه الصالحين هم الذين هم مجهولون ويهربون من الشهرة، وهذا لا يعني أنهم غير موجودين، بل ربما يكون وجود الآخرين بيُمن وجودهم، وببركة وجودهم يُمهَلون! أولئك الذين وصفتهم الروايات بأنّهم «فِي الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ»... على أيّ حال، تذكّر أنّ الحكيم هو الذي لا يعرف الحقّ بالرجال، بل يعرف الرجال بالحقّ، في حين أنّ الجاهل يفعل عكس ذلك، فيحسب شهرة الرجال دليلًا على أنّهم حقّ، وعدم شهرتهم دليلًا على أنّهم باطل! هذا جهل واضح بالتأكيد! [الشبهة والرّدّ ٣]

الخبر المنسوب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ظهور ٧٣ فرقة بعده إحداها «ناجية» وسائرها أهل النار، هو خبر واحد وغير يقينيّ، وقد بيّن المنصور الهاشمي الخراساني بالتفصيل عدم حجّيّة مثل هذه الأخبار في مباحث من كتابه مثل مبحث «رواج النّزعة الحديثيّة». بغضّ النظر عن حقيقة أنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث، وأنّ ذيله المشهور الذي يقول أنّ الفرقة الناجية هي الجماعة وأنّ الجماعة هي ما كان عليه النبيّ وأصحابه، لا يمكن الإلتزام به، نظرًا للإختلاف الشديد في أقوال وأفعال أصحاب النبيّ، بل يشمّ منها رائحة الوضع. بالإضافة إلى أنّ صدره لا يتوافق مع الواقع المحسوس والخارجيّ؛ لأنّ ظهور ٧٣ فرقة بين المسلمين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليس ثابتًا، بل لعلّ الثابت خلافه؛ بالنظر إلى أنّ فرق المسلمين المذكورة في كتب الملل والنحل هي أكثر أو أقلّ بكثير من هذا العدد، وحذف بعضها وإضافة بعضها لانطباقها على هذا العدد ليس ممكنًا إلا بتكلّف كثير، بل هو في الغالب ترجيح بلا مرجّح... إنّا لم نضعّف جميع أسانيد هذا الحديث، بل قلنا بصراحة: «إنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث»، وهذا يعني أنّ بعض أسانيده صحيحة في رأيهم، وإن كان فيهم من يضعّف كلّها، مثل ابن حزم (ت٤٥٦هـ) إذ قال في هذا الحديث: «لَا يَصِحُّ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟!»، ومال إلى قوله ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) في منهاج السنّة النبويّة، وقال الشوكاني (ت١٢٥٠هـ) «أَنَّ زِيَادَةَ <كُلُّهَا فِي النَّارِ> لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً»، ولا خلاف بينهم في أنّ أكثر أسانيده ضعيفة. [الشبهة والرّدّ ٧]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المؤلّف، بعد فحص النصوص الإسلاميّة القطعيّة المشتملة على آيات القرآن وأحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة، يثبت بطريقة متقنة وقابلة للقبول من قبل جميع المسلمين وبعيدة عن أيّ توجّه مذهبيّ، أنّ الخلفاء بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اثنا عشر رجلًا من أهل بيته أوّل ثلاثة منهم عليّ والحسن والحسين وآخرهم المهديّ. ثمّ يقوم بدراسة قضيّة المهديّ ودوره في تحقيق المثل الأعلى للإسلام وهو العدل العالميّ، ويقدّم في هذا الصدّد تفاصيل دقيقة وعميقة هي بديعة وغير مسبوقة بالكامل. على سبيل المثال، فإنّه خلافًا للآخرين الذين يعتقدون أنّ ظهور المهديّ يعتمد أولًا على إرادة اللّه وفعله ويتوقّف على حكمته، يعتقد أنّه يعتمد أولًا على إرادة الناس وفعلهم ويتوقّف على استعدادهم ويؤكّد بشكل صريح وحاسم أنّ وصولهم إلى المهديّ ممكن، وبالتالي يجب عليهم أن يفكّروا فقطّ في حفظه ودعمه وطاعته وأن لا يشتغلوا بالحفظ والإعانة والطاعة لأحد غيره كائنًا من كان. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

يبيّن الهاشميّ في تكملة كتابه أهمّ مبدأ في الاسلام وهو التوحيد ويقسّمه إلى ثلاثة أقسام: التوحيد في التكوين والتوحيد في التشريع والتوحيد في التحكيم أو الحكم شارحًا لكلّ منها بالتفصيل. ثمّ يقوم بتبيين سائر أصول عقائد الإسلام وأحكامه ويعيد تعريف كلّ منها بطريقة بديعة؛ كما يفتح أبوابًا جديدة في الزكاة والحجّ والجهاد لأهل الفقه، ينفتح من كلّ باب أبواب أخرى. بهذه الطريقة، فإنّه مستندًا إلى القواعد العقليّة الواضحة ومستشهدًا بالنصوص الشرعيّة القطعيّة التي ليست سوى آيات القرآن وأحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة، يعيد تعريف عقائد الإسلام وأحكامه ويقدّم قراءة جديدة ومختلفة له يمكن اعتبارها مدرسة وأيديولوجية إسلاميّة قادرة على إحداث ثورة في موقف ونهج مسلمي العالم وتمهيد الطريق لوحدتهم وتقاربهم في المستقبل القريب وتغييرات كبيرة وأساسيّة في هياكلهم السياسيّة والثقافيّة. نحن نوصي جميع مسلمي العالم وخاصّة أهل العلم بقراءة هذا الكتاب الهامّ والمؤثّر، ونتوقّع منهم ومن مسؤولي الدّول الإسلامية التحلّي بالصبر والحلم اللازمين في التعامل معه، مراعاة لحرّيّة الفكر والتعبير، والتزامًا بالأخلاق الإسلاميّة وآداب المناقشة العلميّة، وتجنّبًا للمواجهات المتسرّعة واللاعقلانية مع الفكر والمفكّرين. [المقالة ١]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

مجموعة من الناس ليسوا على علم بنشر الكتاب الشريف «العودة إلى الإسلام». هذه فجوة يجب ملئها في أسرع وقت بمساعدة المسلمين على مزيد من الإعلام حول هذا الكتاب الشريف حتّى يأتي يوم لا يوجد مسلم ليس على علم به ولم يقرأه ولم يفهمه... مجموعة من الناس قد تناولوا الكتاب وقرؤوه، لكنّهم لم يفهموه أو بعض أجزائه بشكل كامل وصحيح ولذلك لا يهتمّون به. من الواضح أنّ هذه المشكلة لها حلّ بسيط. جميع المسلمين الذين فازوا بتناول هذا الكتاب من طرق شتّى، يمكنهم حلّ مشاكلهم في فهمه من خلال الرجوع إلى قسم الشروح وقسم الشبهات والردود وقسم الأسئلة والأجوبة من الموقع الإعلامي للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني... مجموعة من الناس قد تناولوا الكتاب بطريقة ما ولكن لم يدركوا أهمّيّته أو لم يجدوا فرصة لقراءته بتركيز بسبب المشاكل اليوميّة ولذلك وضعوه في الأولويّات التالية أو تركوه في زاوية بعيدة. مع الأسف، إنّ الروتينات والمشاكل الجارية للحياة ألم شائع يمنع الإلتفات إلى الحقيقة، لكن في الواقع إذا علم الناس أنّ حلّ مشاكلهم اليوميّة هذه كارتفاع الأسعار واستئجار المسكن ومشاكل تعليم الأطفال وتربيتهم والمشاكل العائلية وما شابه ذلك، هو مكتوب في كتاب «العودة إلى الإسلام»، عسى أن يخصّصوا في بحبوحة الروتينات والمشاكل وقتًا لقراءة هذا الكتاب والتدبّر فيه ويتغيّر رأيهم حوله تمامًا ويقرؤوه بالكثير من الفضول والدقّة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

مجموعة من الناس هم الذين قد قرؤوا الكتاب وأدركوا الحقائق الموجودة فيه، لكن بسبب القمع والضغط الحاكمين على البيئة السياسية في بلدهم قد يخافون أن يتكلّموا حوله! ما يجب ذكره لهؤلاء الناس، هو الخوف من اللّه ويوم القيامة؛ لأنّ محتوى هذا الكتاب ليس إلا الإسلام الخالص والكامل القائم على أساس اليقينيّات أعني آيات القرآن والسنّة المتواترة والبراهين العقليّة المحكمة وهو مثال واضح على المعروف. لذلك، إنّ الدعوة إليه هي مثال واضح على الأمر بالمعروف وبالتالي واجبة. بناء على هذا، إنّ من يخاف مؤاخذة الحكومات أكثر ممّا يخاف مؤاخذة اللّه، ليس بشخص ذكيّ وحكيم، بل هو خاطئ وسيصبح خاسرًا ونادمًا. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

إنّ بعض الناس يقرؤون الكتاب ويفهمونه، لكنّهم لا يقبلونه ولا يستحسنونه أو بعض أجزائه على الأقلّ، نظرًا إلى كونه جديدًا بديعًا واختلافه الواضح عن القرائات الرائجة والمشهورة. هذه الطريقة أيضًا طريقة غير صحيحة؛ لأنّ كلّ شيء ما سوى اللّه سبحانه حادث وتمّ إيجاده في زمان ما وهذا لا يدلّ على كونه باطلًا! في الواقع، إنّ نفس العقائد والأعمال القديمة التي يعتبرها الناس صحيحة وقد اعتادوها، لم تكن موجودة من اليوم الأوّل وتعتبر جديدة وبديعة بالنسبة إلى العقائد والأعمال السابقة عليها وإن قبلنا هذه الطريقة فلا يبقى أيّ حقّ! من الواضح أنّ هذه عادة خاطئة ولها جذور نفسية وذهنيّة وتجب إزالتها. إنّ الطريقة الصحيحة التي مدحها القرآن هي استماع جميع الأقوال بغضّ النظر عن زمانها ومكانها وقائلها ثمّ اتّباع أحسنها استنادًا إلى العقل بصفة معيار المعرفة بمعزل عن موانع المعرفة. [المقالة ٣]