السبت ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٧ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: يقال أنّ النصوص تصرف عن ظاهرها أحيانًا لأمور اقتضت ذلك. كيف نفرّق بين الصرف السائغ وبين ما يكون صرف باطل يحرّف المعنى ويبدّله؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
تكبّر أهل العلم

إنّ أهل العلم، بسبب تأثيرهم الأكبر على المجتمع، هم أحوج إلى معرفة الحقّ، وإذا لم يعرفوه فسوف يتكبّدون ويكبّدون خسائر أكثر، ومن الواضح أنّ عدم معرفتهم به غير مستحيل؛ لأنّه من الممكن أن يكون المرء بارعًا في أحد أبعاد الدّين، وأقلّ دراية في بُعد آخر، وليس من الغريب أن يُخفي اللّه شيئًا عن عالم مشهور، ويظهره لعالم آخر غير مشهور. [العودة إلى الإسلام، ص٨٨]

تكبّر أهل العلم

ثبت بالتجربة أنّ أكثر أولياء اللّه كانوا رجالًا مغمورين، ولذلك ليس من الحكمة والإحتياط رفض دعوة رجل لأنّه مغمور. بل يأبى اللّه إلّا أن يمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين؛ كما قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. [العودة إلى الإسلام، ص٨٩]

تكبّر أهل السّلطة والثروة

إنّ معرفة الحقّ لا ملازمة لها مع السّلطة والثروة، بل من المشهود أنّ أعظم السّلطة والثروة في أيدي الذين هم أقلّ نصيبًا من معرفة الحقّ، ولذلك ليس من الحكمة امتناعهم عن معرفة الحقّ بسبب سلطتهم وثروتهم، بل ينبغي أن يولوا اهتمامًا أكثر لمعرفة الحقّ بسبب سلطتهم وثروتهم، حتّى لا يضرّوا بأنفسهم والمجتمع ضررًا أكبر بسبب عدم معرفتهم بالحقّ أثناء امتلاكهم للسّلطة والثروة، ولا يصبحوا أسباب خسارة المسلمين بلا قصد ولا علم. [العودة إلى الإسلام، ص٨٩]

تكبّر أهل السّلطة والثروة

على أصحاب السّلطة والثروة من المسلمين أن يجدّوا في معرفة الحقّ أكثر من غيرهم، ولا يستنكفوا عن قبوله خوفًا من انتقاص سلطتهم وثروتهم؛ لأنّ المقصود من سلطتهم وثروتهم توفير سعادتهم في الدّنيا والآخرة، وإذا لم تفعلاه فلا قيمة لهما ولا فائدة، ومن الواضح أنّ سعادة الدّنيا والآخرة منوطة بمعرفة الحقّ وقبوله. كما أنّ مصدر السّلطة والثروة في العالم هو اللّه، ومن اتّصل باللّه فقد اتّصل بمصدر السّلطة والثروة في العالم، ومن فارقه فقد فارق مصدر السّلطة والثروة في العالم، وهذا عكس ما يُتصوّر غالبًا. [العودة إلى الإسلام، ص٨٩ و٩٠]

تكبّر أهل السّلطة والثروة

لن يفوز بمعرفة الحقّ والإلتزام به إلّا الذين يرون أنفسهم محتاجين إليه، ويكفّون عن التكبّر أمامه بسبب ما لديهم من الدّنيا؛ لأنّه، على عكس ما قد يبدو، كلّما ازداد ما لديهم من الدّنيا ازدادت حاجتهم إلى معرفة الحقّ والإلتزام به، وبالطبع كلّما كانوا أحوج إليه كان عليهم أن يكونوا أشدّ خضوعًا وطلبًا له. [العودة إلى الإسلام، ص٩٠]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

أَلَا يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ الظَّالِمُونَ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ الْمَظْلُومِينَ لِكَسْبِ السُّلْطَةِ وَحِفْظِهَا! أَلَا يَا أَيُّهَا الْفُقَهَاءُ وَالشُّيُوخُ الْمُرَاؤُونَ الَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ عُمَّالَ اللَّهِ وَأُولِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ! أَلَا يَا أَيُّهَا السِّيَاسِيُّونَ الطَّامِعُونَ الَّذِينَ يَتَزَاحَمُونَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْحُكُومَةِ! أَلَا يَا أَيُّهَا الْأَحْزَابُ السِّيَاسِيَّةُ الْمَاكِرَةُ الَّتِي لَا تَبْتَغِي شَيْئًا سِوَى السُّلْطَةِ! أَلَا يَا أَيَّتُهَا الْفِرَقُ وَالْعِصَابَاتُ الْمُفْسِدَةُ الَّتِي تَسْعَى فِي الْأَرْضِ لِنَيْلِ الْعُلُوِّ! كُفُّوا عَنِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْمَنْكُوبِينَ، وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِهِمْ! أَلَمْ يَكْفِ آلَافُ السِّنِينَ مِنَ الْجَوْرِ وَالْإِفْسَادِ؟! أَلَمْ يَكْفِ تَارِيخٌ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ؟! أَلَمْ تَسْأَمُوا مِنْ إِثَارَةِ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ طَوَالَ هَذَا الْوَقْتِ الطَّوِيلِ؟! فَمَتَى تَنْتَهُونَ عَنْ هَذِهِ اللُّعْبَةِ الصِّبْيَانِيَّةِ؟! فَمَتَى تَتَوَقَّفُونَ عَنْ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْمُتَكَرِّرَةِ؟! [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى أَصْلِكُمْ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا عَهْدَ اللَّهِ إِلَى أَبِيكُمْ آدَمَ؟! أَلَمْ يَأْنِ لَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى أَهْلِهَا وَتُسَلِّمُوا الْحُكُومَةَ إِلَى صَاحِبِهَا؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَأْمُلُونَ فِي هَذِهِ الْحُكُومَاتِ الْمُتَلَوِّنَةِ؟! هَلْ مَا زِلْتُمْ تَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ عَمْرٌو مَكَانَ زَيْدٍ لَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ؟! كَمْ مِنْ عَمْرٍو جَاءَ مَكَانَ زَيْدٍ، فَلَمْ تَسْتَقِمِ الْأُمُورُ؛ لِأَنَّ اسْتِقَامَتَهَا كَانَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ! فَإِلَى مَتَى تَقْعُدُونَ آمِلِينَ فِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَتَرْفَعُونَ رَايَةَ كَذَا وَكَذَا؟! إِلَى مَتَى تُذِلُّونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُقَبِّلُونَ أَيْدِي الرِّجَالِ؟! إِلَى مَتَى يَغُرُّكُمُ الْوُعُودُ الْكَاذِبَةُ، وَيَلْعَبُ بِكُمُ الْآمَالُ الْبَعِيدَةُ؟! إِلَى مَتَى تَدُورُونَ حَوْلَ مِحْوَرٍ وَاحِدٍ كَحُمُرِ الطَّاحُونَةِ، وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَتَقَدَّمُونَ؟! [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

مَا بَالُكُمْ قَدْ أَعْطَيْتُمْ ظُهُورَكُمْ لِكُلِّ حَيَوَانٍ نَاقِصٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَلَمْ تُعْطُوا أَكُفَّكُمْ لِلْإِنْسَانِ الْكَامِلِ؟! مَا بَالُكُمْ قَدْ مَصَصْتُمْ كُلَّ ثَمْدٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَتَرَكْتُمُ الْبَحْرَ الْفُرَاتَ؟! مَا بَالُكُمْ قَدْ سَعَيْتُمْ إِلَى كُلِّ سَرَابٍ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ، وَلَمْ تَخْطُوا خُطْوَةً نَحْوَ الْمَاءِ السَّائِغِ؟! أَلَنْ تَسْتَعِيدُوا وَعْيَكُمْ، وَلن تَرْجِعُوا إِلَى أَصْلِكُمْ؟! أَلَنْ تَنْتَبِهُوا مِنَ النَّوْمِ، وَلَنْ يَنْتَهِيَ هَذَا الْكَابُوسُ؟! أَلَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الظُّلُمَاتِ، وَلَنْ يَكُونَ لِهَذَا اللَّيْلِ الْبَهِيمِ فَجْرٌ؟! أَلَنْ تُفِيقُوا مِنَ السُّكْرِ، وَلَنْ يَتْرُكَ الرَّأْسَ هَذَا الدُّوَارُ؟!... أَرَاكُمْ قَدْ رَضِعْتُمْ مِنْ ثَدْيِ الْجَهْلِ، وَنَشَأْتُمْ فِي حِجْرِ الظُّلْمِ، وَلَا يَعْرِفُنِي لُحُومُكُمْ وَدِمَاؤُكُمْ! [الرسالة الرابعة عشرة]

جزء من رسالة جنابه فيها يدعو إلى حكومة اللّه تعالى ويحذّر من حكومة غيره.

إِيَّاكُمْ أَنْ تُفَوِّضُوا هِدَايَتَكُمْ إِلَى غَيْرِ الْمَهْدِيِّ؛ فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ يَسْأَلُ الْأَعْمَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَيُبْحِرُ بِسَفِينَةٍ مَخْرُوقَةٍ! فَهَلْ تَبْغُونَ حُكُومَةً غَيْرَ حُكُومَةِ اللَّهِ؟! وَالْعَدْلُ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي حُكُومَةِ اللَّهِ؛ الْحُكُومَةِ الَّتِي تَتَحَقَّقُ عَلَى يَدَيْ خَلِيفَتِهِ الْمَهْدِيِّ، لَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ، وَالْخُلَفَاءُ وَالْمُلُوكُ وَالْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي طَرِيقَةِ الظُّلْمِ، وَبَعْضُهُمْ يَضْطَهِدُونَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ؛ كَأَمْثَالِ الْقَتَلَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ كُلُّهُمْ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَخْنُقُونَ، وَبَعْضَهُمْ يَذْبَحُونَ، وَبَعْضَهُمْ يَسْقُونَ السَّمَّ! اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي؛ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَسْمَعُوا قَوْلًا أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ: إِنَّ دُنْيَاكُمْ لَنْ تَسْتَقِيمَ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَآخِرَتَكُمْ لَنْ تَصْلُحَ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَالْعَدْلَ لَنْ يُمْكِنَ إِلَّا بِحُكُومَةِ الْمَهْدِيِّ، وَحُكُومَةَ الْمَهْدِيِّ لَنْ تَتَشَكَّلَ إِلَّا بِتَعَاوُنٍ مِنْكُمْ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لَا يَعْلَمُونَ! [الرسالة الرابعة عشرة]

رسالة قيّمة من جنابه تحتوي على ثلاثين وصيّة أخلاقيّة.

أَقِمِ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. لَا تَتْرُكْ نَافِلَةَ اللَّيْلِ، وَاجْتَهِدْ بِالْأَسْحَارِ فِي الْإِسْتِغْفَارِ. إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لَحْظَةً وَاحِدَةً فَلَا تَغْفَلْ؛ فَإِنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ ذِكْرِهِ أَصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. اذْكُرِ الْمَوْتَ كَثِيرًا، وَاذْهَبْ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا... أَحْسِنْ بِوَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَسَاءَا إِلَيْكَ؛ فَقَدْ أَحْسَنَا بِكَ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ... لَا تُكْثِرْ مِنَ الْكَلَامِ تَسْلَمْ؛ فَإِنَّ كَثِيرَ الْكَلَامِ لَا يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ... لَا تُحَرِّجْ عَلَى النَّاسِ حَتَّى لَا يُحَرِّجُوا عَلَيْكَ؛ أَيْ لَا تَبْحَثْ عَنِ الْعَثْرَةِ، وَلَا تَأْخُذْ بِالدِّقَّةِ، وَلَا تَقَعْ فِي الشَّمَاتَةِ، وَلَا تُبَادِرْ لِلْمُعَاقَبَةِ... غَرِيزَتُكَ الْجِنْسِيَّةُ غُولٌ جَائِعٌ نَائِمٌ. إِيَّاكَ أَنْ تُوقِظَهَا فَتَأْكُلُكَ. لَا تُبْدِ رَأْيًا فِيمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فَتَأْتِي بِسَخِيفِ الْقَوْلِ. [الرسالة السادسة عشرة]

وصية من جنابه لأنصاره وأتباعه

أُوصِيكَ وَسَائِرَ أَنْصَارِي وَأَتْبَاعِي بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَآمُرُكُمْ جَمِيعًا وَمَنْ يَلْحَقُ بِكُمْ مِنْ بَعْدُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. أَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ، وَاجْتَنِبُوا مَحَارِمَهُ، وَاحْفَظُوا حُدُودَهُ. كُونُوا رُحَمَاءَ بَيْنَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالشَّحْنَاءَ! تَزَيَّنُوا بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ؛ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَمْ يَتَزَيَّنْ بِشَيْءٍ أَجْمَلَ مِنْهُمَا، وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَعِنْ بِشَيْءٍ أَجَلَّ مِنْهُمَا. دَبِّرُوا حِيلَةً لِيَوْمِ الْجَزَاءِ، الَّذِي سَيَأْتِي عَاجِلًا أَمْ آجِلًا، وَفَكِّرُوا فِي حَلٍّ لِخِزْيِهِ. اذْكُرُوا الْمَوْتَ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ دِرْعٌ حَصِينٌ، وَلَا تَنْسَوُا اللَّهَ؛ فَإِنَّ ذِكْرَهُ دَوَاءٌ شَافٍ. [القول ٥]

وصية من جنابه لأنصاره وأتباعه

لَيَحْتَرِمَنَّ صَغِيرُكُمْ كَبِيرَكُمْ، وَلَيَرْحَمَنَّ كَبِيرُكُمْ صَغِيرَكُمْ. جَالِسُوا الْأَبْرَارَ وَخَالِطُوهُمْ، وَاجْتَنِبُوا الْأَشْرَارَ وَفِرُّوا مِنْهُمْ. نَبِّهُوا الْغَافِلِينَ، وَعَلِّمُوا الْجَاهِلِينَ. أَرْشِدُوا الضَّالِّينَ، وَأَجِيبُوا عَلَى الْمُسَائِلِينَ. تَحَمَّلُوا سَفَاهَةَ السُّفَهَاءِ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ، حِينَ يَسُبُّونَكُمْ لِيُؤْذُوكُمْ وَيَبْهَتُونَكُمْ لِيُحْزِنُوكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَعَنَا أَكْثَرَ مِنْكُمْ. إِنَّمَا مَثَلُكُمْ فِيهِمْ كَمَثَلِ النَّحْلِ فِي الطَّيْرِ؛ مَا مِنْ طَيْرٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ يَعْلَمُ مَاذَا تَحْمِلُ مَعَهَا لَمْ يَسْتَضْعِفْهَا بَتَّةً. نَتِنَتِ الْأَرْضُ وَصَارَ الزَّمَانُ كَجِيفَةٍ مُنْتَفِخَةٍ، لَكِنَّنَا لَمْ نَرَ لَيْلًا لَمْ يَلِهِ نَهَارٌ. فَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ. [القول ٥]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةٍ اللَّهُ جَاعِلُهُ، وَلَوْ خَلَتْ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ هَذَا الْخَلِيفَةَ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ يَجْعَلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ قَالَهُ، وَلَوْ قَالَ: «إِنِّي أَجْعَلُ» لَكَانَ مِنْهُ جَعْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ، وَالْجَاعِلُ مَنْ يَسْتَمِرُّ مِنْهُ الْجَعْلُ، وَكُلُّ خَلِيفَةٍ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ مَهْدِيٌّ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا لِيَضَعَهُ حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى مَهْدِيِّ زَمَانِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. [الفقرة ١ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلَ الْمَنْصُورَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ جَاعِلًا فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ وَعَدَهُ، إِمَّا ظَاهِرًا مَشْهُورًا وَإِمَّا خَائِفًا مَغْمُورًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا فِي الْعِرَاقِ خَلِيفَةً وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ! قَالَ: كَذَبُوا أَعْدَاءُ اللَّهِ، مَا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ جَاعِلُونَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وَلَكِنْ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ، فَلَوْ جَعَلُوا فِيهَا خَلِيفَةً دُونَ الْخَلِيفَةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا لَكَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ، قَالَ الرَّجُلُ: وَمَنْ هَذَا الْخَلِيفَةُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ. [الفقرة ٢ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَعَدَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ! قَالَ: إِنَّهُ فِيهَا وَإِنْ أَنْكَرَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي نُبِّئْتُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قُلْتُ: نَعَمْ، وَسَفَكُوا لَهُ الدِّمَاءَ، قَالَ: هُوَ خَلِيفَةُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَخَلِيفَةُ اللَّهِ هُوَ الْمَهْدِيُّ. [الفقرة ٣ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ بَعْضُ الْكَارِهِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُوَافِقُ الْعَقْلَ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [ت٤٩٥ه‍] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَالْمَوْضُوعُ حَدِيثٌ صَحَّحُوهُ لِيُعَارِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُخَالِفُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِـ«مَا يُوعَدُونَ» الْعَذَابَ أَوِ السَّاعَةَ فَلَمْ يَأْتِيَا أُمَّتَهُ إِذْ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْتِلَافَ فَقَدْ أَتَاهُمْ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمْ، بَلْ أَصْحَابُهُ أَسَّسُوا بُنْيَانَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقُلْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَالظَّنُّ أَنَّهُ حَرَّفَ الْحَدِيثَ بُغْضًا لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْجَاهِلُ مَنْ أَمِنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. [الباب ١، الدرس ٨٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا قاعدة السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى فهي حجّيّة الخبر المتواتر وعدم حجّيّة خبر الواحد، والخبر المتواتر عنده ما يرويه في كلّ طبقة أكثر من أربعة رجال، بشرط أن لا يكونوا قرناء، ولا يتناقضوا في المعنى، ولا يكون ما يروونه مخالفًا لكتاب اللّه أو الثابت من سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو العقل السليم، وأمّا ما يرويه في كلّ طبقة أربعة رجال فهو عنده في حكم المتواتر أيضًا، بشرط أن يكونوا عدولًا، بالإضافة إلى الشروط السابقة، وهذا ما يوجب النظر في حال الرواة إذا لم يتجاوزوا أربعة رجال، وأمّا النظر في حالهم إذا كانوا أقلّ من ذلك أو أكثر فهو ما يفعله السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى على سبيل الإلزام؛ لأنّ جمهور المسلمين يقولون بحجّيّة خبر الواحد إذا كان ثقة أو صدوقًا، وربما لا يعتبرون خبر خمسة رجال متواترًا، فيختار السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى ما يرويه ثقاتهم وأهل الصدق عندهم ليكون حجّة عليهم ولعلّهم يهتدون. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا شرطه في اختيار الأحاديث، فهو بعد موافقة معناها لكتاب اللّه والثابت من السنّة والعقل السليم، اشتهار رواتها بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم دون مخالفيهم؛ كما يبيّن ذلك بالتفصيل في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ، فيقول: «الْمُعْتَمَدُ حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِحَالِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَائِرِ النَّاسِ إِذَا خَالَفَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِيهِ شَنَآنًا لِمَذْهَبِهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: <أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟> فَقَالُوا: <خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا>، فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَوَقَعُوا فِيهِ وَقَالُوا: <شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا>، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُبِلَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَا تَرَى الشِّيعَةَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَرْوِيهِ السُّنَّةُ إِلَّا مَا يَتَّخِذُونَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَتَرَى السُّنَّةَ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَرْوِيهِ الشِّيعَةُ إِلَّا تَعَجُّبًا وَاسْتِهْزَاءً، وَكِلَاهُمَا قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ الْمُسْلِمُونَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ». [المقدّمة]

لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه مع عدوّه عمدًا؛ لأنّ اللّه تعالى نهى عن قتل النفس بصيغة مطلقة فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، وقال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وليس في السنّة ما يقيّد ذلك؛ إذ لم يأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يثبت فعله عن أحد من الصحابة، بغضّ النظر عن حقيقة أنّ السنّة لا تستطيع نسخ القرآن ولا تخصيصه، ومن المسلّم به أنّ الغاية لا تبرّر الوسيلة في الإسلام، وهذا يعني أنّه لا يجوز التوصّل إلى ما يحلّ فعله وهو قتل العدوّ بما يحرم فعله وهو قتل النفس؛ لأنّ الحلال لا يدرك بالحرام، وقد نبّه المنصور حفظه اللّه تعالى على أنّ ذلك عمل جاهليّ. [السؤال والجواب ٦٩]

لا خلاف بين المسلمين في عدم وجوب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة؛ لأنّ أكثر الروايات الواردة في وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خالية من ذكره، ولو كان واجبًا لم تخل من ذكره؛ لأنّه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكنّهم اختلفوا في حكمه بعد الإتّفاق على عدم وجوبه؛ فرأى أكثرهم أنّه مستحبّ، لوروده في بعض الروايات، ورأى قوم أنّه غير مستحبّ؛ لأنّ الأوجب المصير إلى الروايات التي ليست فيها هذه الزيادة؛ نظرًا لأنّها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنّما هي من باب الإستعانة. ثمّ اختلفوا هؤلاء فيما بينهم؛ فرأى بعضهم -وهم أكثر المالكيّة- أنّه مكروه؛ لأنّه من الإعتماد، والإعتماد في الصلاة مكروه، إلا في النافلة إذا طال القيام، ورأى بعضهم -وهم أكثر الإماميّة- أنّه حرام يبطل الصلاة؛ لما روي عن أهل البيت من النهي عن ذلك... لكنّه غير صريح في حرمته، فضلًا عن مبطليّته، بل هو أدلّ على الكراهة التي ذهب إليها أكثر المالكيّة وبعض الإماميّة؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه لا يخلّ بالقيام ولا ينافي الطمأنينة ولا يفسد هيئة الصلاة ولا يعتبر بدعة فاحشة، وعليه فلا يبقى إلا الكراهة، وهي الحقّ عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى... وبهذا قال عبد اللّه بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، وابن جريج، وليث بن سعد، ومحمّد بن سيرين، وغيرهم. [السؤال والجواب ٦٥]

وأمّا مسجد جمكران في قم فمن المساجد المستحدثة، وليس للصلاة فيه فضل خاصّ، بل نسب بنائه إلى المهديّ استنادًا إلى حكاية غير معتبرة عن رجل مجهول يقال له حسن بن مثلة الجمكراني، بمنزلة الكذب عليه، والكذب عليه يعتبر إثمًا كبيرًا، وقيل أنّ الحكاية كانت مذكورة في كتاب «تاريخ قم» للحسن بن محمّد بن الحسن القمي نقلًا عن كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحقّ واليقين» لمحمّد بن علي بن بابويه، قاله المجلسيّ والنوريّ، ولم يُذكر لمحمّد بن علي بن بابويه كتاب بهذا الإسم، ولم يبق كتاب تاريخ قم للحسن بن محمّد، والموجود ترجمته بالفارسيّة للحسن بن علي بن الحسن بن عبد الملك القمي المتوفّى سنة ٨٠٥، ولا توجد فيها تلك الحكاية، ولا يوجد فيها ذكر من مسجد بجمكران، إلا قوله: «يقال أنّ أوّل مسجد بني في هذه المنطقة قبل ورود العرب عليها مسجد قرية جمكران، وقد بناه رجل من المسلمين اسمه خطّاب بن الأسديّ وكان يصلّي فيه وحده»، ومن الواضح أنّ هذا لا صلة له بتلك الحكاية، وممّا يدلّ على كذب النسبة إلى محمّد بن علي بن بابويه ما روي عن حسن بن مثلة من قوله في صدر الحكاية: «كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ٣٩٣ نائمًا في بيتي، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من النّاس على باب بيتي، فأيقظوني وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان، فإنّه يدعوك»؛ لأنّ محمّد بن علي بن بابويه مات سنة ٣٨١، فليس من الممكن ذكره لهذه الحكاية! [السؤال والجواب ٥٩]

لا يجوز صلاة الجمعة خلف حكّام الجور وأعوانهم في غير تقيّة؛ لأنّها ركون إلى الذين ظلموا، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ، وهذا هو السّبب في عدم جواز صلاة الجمعة قبل ظهور المهديّ في بلاد يتولّى إقامتها فيها الحكومة، مثل إيران والسعوديّة؛ لأنّ الأئمّة فيها موظّفو الحكومة، وبالتالي فإنّهم من ناحية ظالمون ولا يجوز الإقتداء بهم، ومن ناحية أخرى يدعون في خطبهم إلى طاعة حكّام الجور وإعانتهم، وهذا لغو وزور يحرم شهوده واستماعه، بل هو مثال على الفاحشة، وقد قال اللّه تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. [السؤال والجواب ٥٤]

ليس هناك خلاف في جواز زيارة قبور الصالحين للتسليم عليهم والدّعاء لهم بالخير، وكيف يكون فيه خلاف بعد ما تواتر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قوله وفعله الدالّ على جواز زيارة قبور المسلمين؟! إنّما الخلاف في شدّ الرّحال بمعنى السفر لزيارة قبورهم، فإنّ السلفيّين يمنعون من ذلك، آخذين بما رواه جماعة من الصحابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، والحقّ أنّه لا يدلّ على حرمة شدّ الرحال لزيارة القبور، كما لا يدلّ على حرمة شدّ الرحال لغيرها من المقاصد المشروعة؛ لأنّ المستثنى فيه ثلاثة مساجد، والظاهر أنّ المستثنى منه هو من جنسها؛ نظرًا لأنّ المستثنى هو من جنس المستثنى منه، ولو لا ذلك لكان مجازًا، ولا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذّر حمله على الحقيقة، ولو سلّمنا بأنّ الحقيقة فيه جميع الأمكنة لتعذّر حمله عليها؛ لأنّ جواز شدّ الرحال إلى أمكنة غير المساجد الثلاثة أمر مسلّم به في الجملة، وإذا علمنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يرد منه عمومه قطعًا لا بدّ لنا من حمله على خصوص المساجد؛ لأنّه هو القدر المتيقّن، والزائد عن ذلك ظنيّ، وعليه فإنّ الحديث يعني لا تشدّ الرحال إلى مسجد إلا مسجد الحرام ومسجد النبيّ والمسجد الأقصى؛ لأنّ جميع المساجد في الفضل سواء إلا هذه المساجد الثلاثة ولذلك، يجوز شدّ الرحال إلى الأمكنة الأخرى للتجارة والسياحة والزيارة وسائر المقاصد المشروعة، وهذا ظاهر جدًّا، لو لا تعصّب القوم لابن تيميّة! [السؤال والجواب ٥٠]

ولكن ما تلك السبيل التي جعلها اللّه للناس، ولا بدّ لهم من معرفتها واتّباعها ليتمكّنوا من الوصول إلى معرفة واحدة للدّين؟ لئن سألت أكثر العلماء عن ذلك ليقولنّ: «هي القرآن والسنّة»، وذلك مبلغهم من العلم؛ لأنّهم لا يعقلون، ولو كانوا يعقلون لعلموا أنّ قولهم هذا دور باطل؛ لأنّ الدّين هو القرآن والسنّة، ولا معنى للإختلاف فيه إلا الإختلاف فيهما، ومن المستحيل رفع الإختلاف فيهما بأنفسهما؛ لأنّه كتوقّف الشيء على نفسه، ومن الواضح أنّ المختلفين كلّهم يدّعون معرفتهما واتّباعهما، ولذلك لم يقع رفع الإختلاف في الدّين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى يومنا هذا بالرغم من وجود القرآن والسنّة بين المسلمين وحرصهم الكبير على التمسّك بهما، ولو كان ممكنًا لوقع. إنّما السبيل شيء غير القرآن والسنّة، يبيّن القرآن والسنّة، ويحكم بين المسلمين فيما اختلفوا فيه من القرآن والسنّة، وهو خليفة يجعله اللّه تعالى في الأرض؛ كما وعد ذلك فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، وهو هادٍ يجعله اللّه تعالى لكلّ قرن بعد رسوله ليهديهم بأمره؛ كما أخبر عن ذلك فقال: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، وهو مَن عنده علم الكتاب أي الدّين كلّه، ليكون شهيدًا بين الرسول وأمّته إلى يوم القيامة؛ كما قال: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. فلا بدّ من معرفة واتّباع هذا الخليفة والهادي والعالم في كلّ زمان ليرتفع فيه الخلاف من بين المسلمين، وهذا ما بيّنه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»، وكتاب «هندسة العدل»، وكثير من أقواله الطيّبة... بالجملة فإنّ الواجب على الناس معرفة دينهم بصورة يقينيّة واحدة، وهي ممكنة من خلال الرجوع المباشر إلى القرآن والسنّة في ضوء المعرفة والإتّباع لمن جعله اللّه تعالى خليفة وهاديًا في زمانهم. [الشبهة والرّدّ ٢١]

الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب تقصيره، هو مكلّف بالتمهيد لظهور المهديّ قبل أن يكون مكلّفًا بالصلاة والصيام والحجّ والزكاة. فإن قام بالتمهيد لظهور المهديّ فهو معذور في العمل بالظنّ في صلاته وصيامه وحجّه وزكاته حسبما قدّمنا، وإن لم يفعل فلا يُقبل منه ما عمل فيه بالظنّ من صلاته وصيامه وحجّه وزكاته. بناء على هذا، فإنّ التمهيد لظهور المهديّ هو واجب فوريّ مقدّم على سائر الواجبات... الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، ليس مضطرًّا إلى العمل بالظنّ في جميع الموضوعات؛ لأنّ هناك موضوعات يُعلم حكمها بآية من القرآن، أو خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين، ولا شكّ أنّ العمل فيها استنادًا إليهما لا يعتبر عملًا بالظنّ، بل هو عمل باليقين، والظاهر أنّ أركان الصلاة والصيام والحجّ والزكاة هي من تلك الموضوعات، ولذلك يجب على القاصر في عدم الوصول إلى المهديّ طلب العلم بالأحكام من خلال النظر في القرآن والسنّة، ليحصل على اليقين بقدر الإمكان. فإن قصّر في ذلك فليس بمعذور في العمل بالظنّ في الموضوعات التي يمكنه التيقّن فيها من خلال ذلك، وإن كان قاصرًا في عدم الوصول إلى المهديّ. [الشبهة والرّدّ ٢٢]

تنبّأت بأنّ العلماء لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، لا يبخلون بذكره ويقدّمون له، وهذا أمر غير بعيد، إلا أنّه خارج عن موضوع البحث؛ إذ ليس موضوع البحث أنّ العلماء ماذا يفعلون لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، بل هو هل يجب على الناس أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن دليل فتاويهم من القرآن والسنّة أم لا يجب؟! إنّ هؤلاء يقولون لا يجب؛ لأنّهم يزعمون أنّ الناس يجزيهم العمل بفتاويهم المجرّدة عن الدليل بغير أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن الدليل؛ كما جرت عادة الناس على ذلك، لا سيّما الشيعة؛ لأنّ المعمول به بينهم هو اتّخاذ كتاب يسمّونه «الرسالة العمليّة» أو «رسالة توضيح المسائل» فيه فتاوي مجرّدة عن الدليل لرجل يسمّونه «مرجع التقليد»، وقد بلغ من جهل مراجع تقليدهم أنّهم يكتبون في صدر الكتاب فتوى صورتها: «العمل بما في هذه الرسالة العمليّة مجزية إن شاء اللّه»، في حين أنّ هذا دور واضح لا يصدر ممّن له أدنى نصيب من العلم؛ إذ معناه إفتاؤهم بإجزاء العمل بإفتائهم؛ كما أشار إلى ذلك السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في مبحث «عدم إمكان تقليد العلماء استنادًا إلى تقليدهم» من كتاب «العودة إلى الإسلام»... هذا مثال واحد على جهل مراجع تقليدهم بالرغم من عِظَم تكبّرهم! فلا عجب أنّهم لا يقومون بدعم السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، بل لا يبالون بدعوته إلى الدّين الخالص؛ لأنّهم أجهل من أن يعقلوا من هو وماذا يقول! كما لا ينبغي التعجّب من عداوة مقلّديهم معه؛ لأنّ من لا يفهم جهل هؤلاء الجهّال المشهورين، كيف يفهم علم هذا العالم المستور، ومن لا يتنبّه لأفحش التناقضات، كيف يتنبّه لأدقّ الأدلّة والبراهين؟! [الشبهة والرّدّ ٢١]

الحديث المعروف بين أهل الحديث بـ«حديث الرايات»، هو أقدم وأشهر وأصحّ ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه وأهل بيته في باب علامات ظهور المهديّ عليه السلام، بحيث أنّه كان مصدر إلهام لكثير من الثورات في تاريخ الإسلام، كثورة عبد الرحمن بن الأشعث (ت٨٥هـ) ضدّ عبد الملك بن مروان، وثورة حارث بن سريج (ت١٢٨هـ) ضدّ نصر بن سيّار، وثورة أبي مسلم الخراسانيّ (ت١٣٧هـ) ضدّ بني أميّة، وانعكس في كتب جميع المذاهب الإسلاميّة... كما روى كثير منهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظر يومًا إلى فتية من بني هاشم، فتغيّر لونه واغرورقت عيناه، فقيل: يا رسول اللّه، لا نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه، فقال: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ لَنَا اللَّهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ -أَوْ قَالَ: مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ- مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَعْقَابِكُمْ، فَلْيَأْتِهِمْ وَلْيُبَايِعْهُمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهَا رَايَاتُ هُدًى، يَدْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا»، وهذا حديث صحيح الإسناد؛ لأنّ رواته من الرجال المشهورين والمرضيّين بين المسلمين... بل الحقّ أنّ هذا الحديث بالغ مبلغ التواتر... والحقّ أنّه لا يوجد في هذا الباب حديث آخر له مثل هذه القدمة والشهرة والأسناد والتأثيرات التاريخيّة. [الشبهة والرّدّ ٢٣]

وفقًا لهذا الحديث [حديث الرايات]، يجب على كلّ مسلم اللحوق بنهضة تظهر في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، وهي نهضة يعتقد كثير من أهل العلم أنّها نهضة المنصور الهاشمي الخراساني؛ لأنّ نهضة هذا العالم الصالح الجليل قد ظهرت في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، ولم تظهر قبلها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة، ولو ظهرت بعدها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة فرضًا ستكون لا محالة تابعة ومواصلة لها؛ لأنّها ستفعل ما بدأته من قبل، ولا معنى لإعادة بدئه كما هو واضح، وعليه فلا يمكن ظهور نهضة أخرى في هذه المنطقة بهذه الصفة إلا أن تكون تابعة لنهضة المنصور، ولا شكّ أنّ اللحوق بالمتبوع أولى من اللحوق بالتابع، بل ليس من المعقول أن لا يأمر اللّه بلحوق المتبوع ثمّ يأمر بلحوق التابع؛ كما قال: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ... لذلك، يعتقد المتعقّلون من أهل العلم أنّه لو لم تكن نهضة المنصور الظاهرة في هذه المنطقة للدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره تأويل هذا الحديث، فلن تكون أيّ نهضة بعدها تأويل هذا الحديث؛ لأنّ كلّ نهضة ظهرت بعدها في هذه المنطقة لن تخلو من إحدى الحالتين: إمّا ستكون مثلها داعية إلى المهديّ وممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث مثلها، أو ستكون غير داعية إلى المهديّ وغير ممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث من باب أولى؛ لأنّ هذا الحديث قد جعل الدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره أهمّ صفة تأويله، فإذا لم تكن النهضة التي تدعو إلى المهديّ وتمهّد لظهوره تأويله، فكيف تكون النهضة التي لا تدعو إلى المهديّ ولا تمهّد لظهوره تأويله؟! [الشبهة والرّدّ ٢٣]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

القضية الأساسيّة والمهمّة الأخرى التي تناولها المنصور الهاشمي الخراساني في كتابه «العودة إلى الإسلام»، هي قضيّة الحكومة الإسلاميّة. في رأيه، الحكم على الناس للّه وحده، ولا حقّ لأحد غيره في الحكم عليهم، وهو يمارس حكمه عليهم من خلال اتّخاذ نائب عنه يسمّى «خليفة». لذلك، فإنّ أساس تشكيل الحكومة الإسلاميّة وشرعيّتها السياسيّة هو إذن اللّه الخاصّ والمحقّق الذي لا يوجد لأيّ من الحكّام الحاليّين في العالم الإسلاميّ، وبالتالي فإنّ حكومة أيّ منهم لا تعتبر حاليًّا حكومة إسلاميّة. إنّه يعتبر أنّ احتياج الحكومة الإسلاميّة إلى تعيّن الحاكم من عند اللّه بشكل عينيّ وقطعيّ هو من القضايا الواضحة والضروريّة في الإسلام والأديان الإبراهيميّة الأخرى، بحيث أنّه لا مجال للجدال في ذلك. بالطبع، يعتقد المؤلّف، على عكس جميع علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلاميّة، أنّه من الممكن للناس الوصول إلى مثل هذا الحاكم؛ لأنّ سبب عدم تمكّنهم من الوصول إلى مثل هذا الحاكم، خلافًا لتصوّرهم، ليس حكمة اللّه، ولكن تقصيرهم في توفير الشروط اللازمة للوصول إليه، وكلّما استوفوا هذه الشروط في عمليّة عاديّة وطبيعيّة تمامًا، يتحقّق لهم الوصول إليه. لذلك، فإنّ عدم وصولهم إليه لا يعتبر عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم؛ لأنّه، من ناحية، نظرًا لإمكانيّة وصولهم إلى حاكم عيّنه اللّه، لا توجد حاجة لاختيار حاكم غيره، ومن ناحية أخرى، فإنّ عدم وصولهم إلى هذا الحاكم يرجع إلى تقصيرهم، وبالتالي لا يمكن أن يكون عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم، وإن كان الظاهر عدم محيص لهم من ذلك. بناء على هذا، لا يمكن الحكومة الإسلاميّة إلا بحكومة خليفة اللّه في الأرض، ولا يمكن حكومة خليفة اللّه في الأرض إلا بإرادة وفعل من الناس. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في مكان آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام»، يعتبر الخراسانيّ أنّ إقامة الإسلام مفيدة وفعّالة فقطّ في شكلها الخالص والكامل، ويعتقد أنّ إقامة جزء منه بمفرده أو مختلطًا مع غيره ليست فقطّ غير مفيدة وغير فعّالة، بل قد تكون ضارّة وخطيرة، وهذا مخالف لتصوّر معظم المسلمين الذين يحسبون أنّ إقامة جزء من الإسلام أيضًا مرغوب فيها. إنّه يشبّه الإسلام بنظام واحد ذي أجزاء مترابطة إذا لم يعمل أحد أجزاءها تفقد الأجزاء الأخرى كفاءتها ويفشل النظام بأكمله. لذلك، ليس أمام المسلمين خيار سوى إقامة الإسلام كلّه في شكله الخالص، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا في ظلّ تعليم خليفة اللّه في الأرض. القضيّة الأساسيّة والمهمّة الأخرى في هذا الكتاب هي أنّ المؤلّف يعتبر تطبيق الحدود والعقوبات الإسلاميّة مشروطًا بتطبيق جميع الأحكام العامّة والسياسيّة للإسلام، ويعتقد أنّ تشريع هذه الحدود والعقوبات تمّ بالنظر إلى حكومة خليفة اللّه في الأرض وبالتناسب مع الزمان والمكان الذي يتمّ فيه تطبيق سائر أحكام الإسلام كعوامل رادعة. لذلك، فإنّ تطبيق هذه الحدود والعقوبات في زمان ومكان آخر غير عادل وغير مناسب؛ خاصّة بالنظر إلى أنّ أحكام الإسلام، من وجهة نظر المؤلّف، مترابطة ومتشابكة وتؤثّر على بعضها البعض وتتأثّر ببعضها البعض. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المنصور الهاشمي في جزء آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام» يعتبر اختلاف المسلمين وحاكميّة غير اللّه والإختلاط بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة وظهور المذاهب وتنافس بعضها مع بعض والإنحطاط الاخلاقيّ ومنع الأعداء من أهمّ موانع إقامة الإسلام الخالص والكامل من بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى الآن، ويتحدّث عن كلّ واحد بالتفصيل وبنظرة تاريخيّة وباثولوجيّة ومتحرّرة من المذاهب. كما يعتبر النزعة الحديثيّة أحد موانع معرفة الإسلام الخالص والكامل وإقامته من قبل المسلمين؛ لأنّه في رأيه، الحديث بمعنى خبر ظنّيّ عن سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، نظرًا لعدم حجّيّة الظنّ في الإسلام، ليس معتبرًا ولا يكفي الإستناد إليه لاستنباط عقيدة أو حكم. إنّه يعتقد أنّ استثناء الظنّ الناشئ عن الحديث من سائر الظنون لا دليل له؛ لأنّ عدم حجّيّة الظنّ من الأحكام العقليّة، والأحكام العقليّة لا تقبل استثناء. لذلك، ليس هناك اعتبار إلا للحديث المتواتر الذي كثر رواته وأدّى إلى اليقين، وهذا في حين أنّ مثل هذا الحديث قليل جدًّا وغير متاح بما فيه الكفاية. مع ذلك، من وجهة نظر المؤلّف، فإنّ حلّ هذه المعضلة ليس الرجوع إلى الحديث غير المتواتر، بل الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض، وإذا لم يكن من الممكن الرجوع إليه في الوقت الحاضر، فذلك بسبب تقصير الناس في توفير مقدّماته، ومن ثمّ ليس عذرًا مبرّرًا لهم للرجوع إلى الحديث غير المتواتر. يعتقد الهاشمي الخراساني أنّ الناس بتقصيرهم في اتّخاذ الترتيبات اللازمة للوصول إلى خليفة اللّه في الأرض قد أوقعوا أنفسهم في مأزق حتّى صاروا كمن لا خيار له، وليست حالتهم هذه من عند اللّه حتّى تكون في تعارض مع لطفه. مع ذلك، فإنّه يعتقد أنّ الناس يمكنهم الخروج من هذه الحالة؛ لأنّ وصولهم إلى خليفة اللّه في الأرض ممكن عندما يضمنون أمنه؛ كما أنّ حاكميّته عليهم ممكنة عندما يضمنون نصرته وطاعته. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المؤلّف في هذا الجزء من كتابه، بعد تعريف النبيّ الخاتم وإثبات نبوّته، يبيّن مكانة القرآن والسنّة وينبّه على نكات مهمّة وأساسيّة جدًّا في هذا الصدد. إحدى هذه النكات هي عدم إمكان نسخ القرآن وتخصيصه وتعميمه بالسنّة؛ نظرًا لأنّ شأن السنّة هو تبيين القرآن فحسب ولا يمكن أن تتعارض معه بأيّ وجه من الوجوه؛ كما أنّها ظنّيّة في أكثر الحالات وليس لديها القدرة على التعارض مع القرآن اليقينيّ، بل في الحالات التي يمكن اعتبارها متواترة أيضًا، ليست متواترة بقدر القرآن ولذلك، لا تصل إلى مستواه حتّى تنسخه أو تخصّصه أو تعمّمه. يعتبر المؤلّف في جزء آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام» أنّ سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حجّة وقابلة للاتّباع إلى الأبد، لكنّه يعتقد أنّ الوصول إليها بشكل يقينيّ كان في أكثر الأحيان ممكنًا لأهل زمانه وليس ممكنًا للأجيال القادمة، ومن ثمّ فإنّ الأجيال القادمة يحتاجون إلى مرجع آخر للتيقّن من سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو خليفة اللّه في الأرض الذي يعتبر خليفة النبيّ في تنفيذ أوامر اللّه وهو بطبيعة الحال متاح دائمًا للناس مثل القرآن. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المؤلّف، بعد فحص النصوص الإسلاميّة القطعيّة المشتملة على آيات القرآن وأحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة، يثبت بطريقة متقنة وقابلة للقبول من قبل جميع المسلمين وبعيدة عن أيّ توجّه مذهبيّ، أنّ الخلفاء بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اثنا عشر رجلًا من أهل بيته أوّل ثلاثة منهم عليّ والحسن والحسين وآخرهم المهديّ. ثمّ يقوم بدراسة قضيّة المهديّ ودوره في تحقيق المثل الأعلى للإسلام وهو العدل العالميّ، ويقدّم في هذا الصدّد تفاصيل دقيقة وعميقة هي بديعة وغير مسبوقة بالكامل. على سبيل المثال، فإنّه خلافًا للآخرين الذين يعتقدون أنّ ظهور المهديّ يعتمد أولًا على إرادة اللّه وفعله ويتوقّف على حكمته، يعتقد أنّه يعتمد أولًا على إرادة الناس وفعلهم ويتوقّف على استعدادهم ويؤكّد بشكل صريح وحاسم أنّ وصولهم إلى المهديّ ممكن، وبالتالي يجب عليهم أن يفكّروا فقطّ في حفظه ودعمه وطاعته وأن لا يشتغلوا بالحفظ والإعانة والطاعة لأحد غيره كائنًا من كان. [المقالة ١]