جزء من رسالة جنابه يذكر فيها أهل بومبي، وينذر المتّبعين للشّهوات.

أَلَا يَعْتَبِرُ الَّذِينَ يَسْكَرُونَ مِنْ خَمْرِ الشَّهَوَاتِ وَيَنْغَمِسُونَ فِي مُسْتَنْقَعِ اللَّذَّاتِ بِعَاقِبَةِ بُومْبِي؟! كَأَنِّي أَسْمَعُ قَهْقَهَةَ أَهْلِهَا الطَّائِشَةَ، إِذْ يَتَعَاطُونَ بَيْنَهُمُ الْكُؤُوسَ، وَيَرْقُصُونَ مِنْ فَرْطِ الطَّرَبِ، وَيُلَامِسُونَ النِّسْوَةَ الْحِسَانَ، وَيُنَادُونَ أَنِ اشْرَبُوا وَتَمَتَّعُوا، وَلْيَبْتَعِدْ عَنْكُمُ الْمَوْتُ! فَبَغْتَةً فِي يَوْمٍ صَيْفِيٍّ، بَيْنَمَا هُمْ مُسْتَرِيحُونَ عَلَى شَوَاطِئِ نَابُولِي، إِذْ سَمِعُوا صَيْحَةً مِنْ جَبَلِ فِيزُوفَ، وَرَأَوْا نَارًا تَسْعَى إِلَيْهِمْ، بِلَهِيبٍ يَطْبَخُ اللُّحُومَ، وَدُخَانٍ يَقْطَعُ الْأَنْفَاسَ، وَحُطَامٍ يَكْسِرُ الْعِظَامَ، وَظُلْمَةٍ تَجْعَلُ النَّهَارَ لَيْلًا! فَلَمْ يَجِدُوا فُرْصَةً لِلْفِرَارِ، بَلْ لَمْ يَجِدُوا فُرْصَةً لِلْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمُ انْقَلَبُوا إِلَى لَبِنٍ مَطْبُوخَةٍ، وَانْدَفَنُوا فِي رَمَادٍ سَاخِنٍ، وَأَنْتُمُ الْآنَ تَرَوْنَهُمْ قَدْ بَرَزُوا مِنَ الْأَرْضِ كَتَمَاثِيلَ قَدِيمَةٍ، وَطُرِحُوا عَلَى الطَّرِيقِ كَجِرَارٍ مَكْسُورَةٍ!

شرح الرسالة:

بومبي هو اسم مدينة بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا، كانت ذات يوم مكانًا لترفّه الرّوم ولهوهم، فزالت عن الأرض في عام ٧٩ بعد الميلاد بعد ثوران بركان فيزوف، ثمّ خرجت منها بعد ١٥٢٠ عام في عام ١٥٩٩ بعد الميلاد، وقد كانت تشاهد جثث سكّانها متحجّرة على نفس هيئاتهم وأشكالهم، ممّا يدلّ على أنّهم لم يجدوا فرصة للهروب، بل لم يجدوا فرصة للنهوض. فيذكّر جنابه حفظه اللّه تعالى في هذه الفقرة من رسالته المنيرة بمصيرهم، ويدعو الذين ينقادون للشّهوات ويخوضون في اللذّات غير الشرعيّة على منوالهم إلى أن يعتبروا بعاقبتهم، ولا يروا أنفسهم في أمن من عذاب اللّه المفاجئ والرهيب.

فيما يلي صور من الجثث المتحجّرة لسكّان بومبي: