الجمعة ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٦ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
جواز الخروج على الحكّام الظالمين

الآن أيضًا، قام بعض بقاياهم الذين يعتبرون أنفسهم أهل السّنّة والجماعة بتسليط الحكّام الظالمين على البلاد الإسلاميّة، ويحسبون طاعتهم وحمايتهم من واجباتهم الإسلاميّة، حتّى أصبح كلّ من البلاد الإسلاميّة يحكم فيه جبّار مستبدّ، فينفق أموال المسلمين وأنفسهم وأعراضهم على مطامعه، في حين أنّه لا يجترئ أحد منهم على معارضته ولا يرى لنفسه حقًّا في مواجهته؛ لدرجة أنّ أكثر الحكومات استبدادًا وفسادًا هي في البلاد الإسلاميّة، والظّلم الذي يوجد بين المسلمين لا يوجد بين الكافرين! [العودة إلى الإسلام، ص٦٧]

جواز الخروج على الحكّام الظالمين

الكفر البواح هو إنكار اللّه تعالى أو رسوله أو يوم القيامة أو ضروريّات مثل الصّلاة والصّوم، وليس كفر المقرّ بهذه الأشياء بواحًا وإن أمكن استنباطه. لذلك، لا وجه للخروج على الحاكم المسلم بذريعة أنّه كافر كفرًا بواحًا، بل ما يبيح الخروج عليه هو ظلمه للمسلمين. [العودة إلى الإسلام، ص٦٧]

جواز الخروج على الحكّام الظالمين

لا يجوز نزع الحكومة من ظالم لتسليمها إلى ظالم آخر؛ لأنّ ذلك ليس معارضة الظالم ومكافحته، بل هو إبقاؤه في شكل آخر؛ كما أنّ عامّة المعارضات والمكافحات القليلة التي قام بها المسلمون حتّى الآن، كانت لتبديل ظالم بظالم آخر، ولذلك لم تؤدّ إلى زوال الظّلم وتحقّق العدل. [العودة إلى الإسلام، ص٦٨]

تقليد الكافرين

نوع آخر من أنواع التقليد الشائعة، هو اتّباع قول الكافرين وفعلهم؛ لأنّ الكثير من المسلمين، بسبب ضعفهم وقوّة الكافرين في القرون الأخيرة، قد وقفوا موقف الإنفعال واتّبعوهم، إمّا بأن تشبّهوا بهم عن قصد وعلم لينالوا القوّة التي نالوها، وإمّا بأن تأثّروا بدعاياتهم وإيحاءاتهم ولوّثوا عقائدهم وأعمالهم بعقائدهم وأعمالهم عن غير قصد وعلم. [العودة إلى الإسلام، ص٦٨]

منشأ قوّة الكافرين وعواقبها

إنّ قوّة الكافرين في القرون الأخيرة، من ناحية، أصبحت ممكنة من خلال استغلال الضّعفاء ونهب بلادهم، ومن ناحية أخرى، تكوّنت على أساس المادّيّة وعزل الدّين عن الدّنيا، ولذلك بالرّغم من أنّها عزّزتهم مادّيًّا، إلّا أنّها أضعفتهم روحيًّا؛ لدرجة أنّ أكثرهم فقدوا سلامتهم الفرديّة والعائليّة والإجتماعيّة، وهدموا أسس الأخلاق والبنى التحتيّة للثّقافة، ولم يتركوا مجالًا للتطوّر الإنسانيّ من الناحية الفكريّة والأدبيّة. [العودة إلى الإسلام، ص٦٨]

جزء من رسالة جنابه فيها ينذر باشتداد البلاء، ويبيّن سببه وطريقة منعه.

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ! كَأَنَّكُمْ قَدْ صَمِمْتُمْ، فَلَا تَسْمَعُونَ قَوْلِي! أَوْ سَكِرْتُمْ، فَلَا تَعْلَمُونَ مَا أَقُولُ! لِمَ لَا تَتَفَاعَلُونَ؟! أَفَأَمْوَاتٌ أَنْتُمْ؟! أَمْ أَصَابَتْكُمْ صَاعِقَةٌ، فَتَجَمَّدْتُمْ؟! مَاذَا فَعَلْتُمْ، فَتَعِبْتُمْ وَسَئِمْتُمْ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ؟! مَاذَا أَكَلْتُمْ، فَذَبُلْتُمْ وَأَصْبَحْتُمْ وَاهِنِينَ وَغَيْرَ مُبَالِينَ؟! مَعَ أَنَّ الْحُمُرَ تَأْكُلُ الْقَشَّ وَتَحْمِلُ الْأَثْقَالَ وَيَخْتَرِقُ صَوْتُهَا الْمَسَامِعَ! قَدْ أَشْعَلْتُمُ النَّارَ فِي الدُّنْيَا وَقَعَدْتُمْ تَنْظُرُونَ! قَدْ سَلَّطْتُمُ الظَّالِمِينَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَيَفْعَلُونَ بِكُمْ مَا يَشَاءُونَ، وَلَكِنْ لَا تُحَرِّكُونَ جَارِحَةً! إِنَّمَا تَتَأَوَّهُونَ وَتَتَذَمَّرُونَ فِي الْخَلَوَاتِ، كَأَنَّكُمْ بَنَاتٌ أَوْ عَجَائِزُ! أَلَا غَيْرَةَ لَكُمْ أَنْ أَدْخَلُوا صَوْلَجَ الظُّلْمِ فِي إِزَارِكُمْ، فَلَا تَقُولُونَ غَيْرَ «آخ»؟! لِمَاذَا تَرْضَوْنَ بِهَذِهِ الذِّلَّةِ، وَتَصْبِرُونَ عَلَى هَذَا الْحَرَجِ الْمُتَزَايِدِ؟! لِمَاذَا لَا تَأْخُذُونَ حَقَّكُمْ، وَلَا تُطْفِئُونَ الْفِتْنَةَ؟! لِمَاذَا لَا تُرَافِقُونَنِي حَتَّى نُطِيحَ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارَ، وَنُقِيمَ مَقَامَهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ لِيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا؟! لِمَاذَا لَا تَنْصُرُونَنِي حَتَّى نَنْزِعَ زِمَامَ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَنُسَلِّمَهُ إِلَى إِمَامٍ عَادِلٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟! أَلَا تُحِبُّونَ الْعَدْلَ، وَلَا تَرْغَبُونَ فِي السَّعَادَةِ؟! وَالْعَدْلُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَجْمَلُ مِنَ الْأَضَالِيَةِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ! أَمْ تَخَافُونَ أَنْ يَأْخُذُوكُمْ أَوْ يَقْتُلُوكُمْ؟! وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْعَيْشِ فِي الذُّلِّ تَحْتَ ظِلَالِ الظَّالِمِينَ، إِنْ كُنْتُمْ تَتَفَكَّرُونَ! أَمْ تَنْظُرُونَ إِلَى عُلَمَائِكُمْ وَكُبَرَائِكُمُ الَّذِينَ قَدْ سَايَرُوهُمْ وَسَكَتُوا أَمَامَ ظُلْمِهِمْ؟! وَإِنَّمَا عُلَمَاؤُكُمْ وَكُبَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ حُفْنَةٌ مِنَ السَّفْلَةِ الْخَانَةِ، وَلَهُمْ قَبْوٌ فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَشَرَوْا جَنَّةَ الْخُلْدِ بِصِيتٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ! أَمْ قَدْ يَئِسْتُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَظَنَنْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ؟! مَعَ أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تَنْقَطِعُ، وَالْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَتِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ غَافِلُونَ! فَالْآنَ اسْمَعُوا نِدَائِي وَأَجِيبُوا دَعْوَتِي، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ، وَيَأْتِيَكُمْ يَوْمٌ أَتَى أَمْثَالَكُمْ مِنْ قَبْلُ، فَتُؤْخَذُوا مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ، كَمَا أُخِذُوا، وَتُقْذَفُوا فِي نَارٍ حَامِيَةٍ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتُسَوِّدُ الْعَظْمَ، بَعْدَ مَوْتٍ مُرْعِبٍ وَقَبْرٍ مُظْلِمٍ فِيهِ ضَغْطٌ كَضَغْطِ الْمِكْبَسِ. [الرسالة السادسة والعشرون]

جزء من رسالة جنابه كتبها في بداية دعوته، فنبّه فيها على أنّه يُعرف بما يدعو إليه، لا باسمه وأوصافه.

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي، وَلَا تَسْأَلُوا مَنْ أَنَا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُعْرَفُ بِقَوْلِهِ، وَالْحَكِيمُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْلِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى قَائِلِهِ. كَمْ مِنْ صِدْقٍ يَقُولُهُ صَغِيرٌ، وَكَمْ مِنْ كَذِبٍ يَقُولُهُ الْكِبَارُ! الصِّدْقُ صِدْقٌ وَإِنْ قَالَهُ صَغِيرٌ، وَالْكَذِبُ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَهُ الْكِبَارُ. فَإِنْ تَعْرِفُوا قَوْلًا لَا يَضُرُّكُمُ الْجَهْلُ بِقَائِلِهِ، وَإِنْ تَجْهَلُوا قَوْلًا لَا تَنْفَعُكُمْ مَعْرِفَةُ قَائِلِهِ. فَاسْتَمِعُوا لِقَوْلِي حَتَّى تَعْرِفُونِي؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ. إِنَّكُمْ لَمْ تُؤْتَوُا الْأُذُنَ إِلَّا لِتَسْمَعُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَيْنَ إِلَّا لِتُبْصِرُوا، وَلَمْ تُؤْتَوُا الْعَقْلَ إِلَّا لِمَعْرِفَةِ مَا تَسْمَعُونَ وَتُبْصِرُونَ أَيُّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَيُّهُ كَذِبٌ. فَاسْمَعُوا قَوْلِي بِآذَانِكُمْ، ثُمَّ تَدَبَّرُوهُ بِعُقُولِكُمْ، لِتَقْبَلُوهُ إِنْ كَانَ صِدْقًا، وَتَرْفُضُوهُ إِنْ كَانَ كَذِبًا. أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ أَنْ لَا تَسْمَعُوا لِكَيْ لَا تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا لِكَيْ تَخْسَرُوا، وَهَلِ الْخُسْرَانُ إِلَّا عَقِيبُ الْجَهْلِ؟! [الرسالة الأولى]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

إِنَّ عِبَادَ اللَّهِ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْقَوْلِ الطَّيِّبِ، وَأَهْلُ الْوَرَعِ وَالتَّعَفُّفِ؛ الَّذِينَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَقَرَّتْ فِي مَكَانِهَا بِرَجَائِهِ؛ الَّذِينَ جَفَّتْ شِفَاهُهُمْ مِنَ الذِّكْرِ الْكَثِيرِ، وَخَمُصَتْ بُطُونُهُمْ مِنَ الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ؛ الَّذِينَ تَخَلَّصَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْ فَخِّ الْهَوَى، وَعَلَا وُجُوهَهُمْ غُبَارُ الْخُشُوعِ؛ الَّذِينَ هَذَّبَ قُلُوبَهُمْ ذِكْرُ الْمَوْتِ، وَأَهَانَ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا ذِكْرُ الْآخِرَةِ؛ سَلَبَهُمُ النَّوْمَ هَمُّ التَّكَالِيفِ، وَمَنَعَهُمُ الْأَكْلَ غَمُّ الْحُقُوقِ؛ اسْتَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ النَّاسُ، وَاسْتَوْحَشُوا مِمَّا اسْتَأْنَسَ بِهِ النَّاسُ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ عَنْ قَرِيبٍ يَرْتَحِلُونَ إِلَى دِيَارٍ أُخْرَى، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَزَوَّدُوا لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ؛ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَمَامَهُمْ طَرِيقًا طَوِيلًا، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَخَطِّي عَقَبَاتٍ وَعْرَةٍ؛ طَرِيقًا لَمْ يَرْجِعْ سَالِكُوهُ أَبَدًا، وَعَقَبَاتٍ كَأَنَّهَا ابْتَلَعَتْ مُسَافِرِيهَا. آهٍ، مَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنَ الْغَدِ! فَإِنَّهُمْ يَبْكُونَ مِنْ فِكْرَةِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لَهَا؛ كَأَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ أَنْفَاسَهُمُ الْأَخِيرَةَ، أَوْ كَأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا! [الرسالة الثانية]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

الدُّنْيَا كَأَنَّهَا امْرَأَةٌ صَدَاقُهَا الْمَوْتُ، أَوْ بَغِيَّةٌ أُجْرَتُهَا الْفَضِيحَةُ. فَلَا تَتَّخِذْهَا زَوْجَةً، وَلَا تُبَاشِرْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْغَادِرَةَ قَتَلَتْ أَزْوَاجَهَا وَنَهَبَتْ مِيرَاثَهُمْ، وَنَوَّمَتْ عُشَّاقَهَا وَسَرَقَتْ أَمْوَالَهُمْ. فَلَا تَخْلُبَنَّ قَلْبَكَ بِتَبَرُّجِهَا، وَلَا تَخْدَعَنَّكَ بِغُنْجِهَا... الدُّنْيَا كَبِئْرٍ جَافٍّ أَوْ مُلَطَّخٍ بِالنَّجَاسَاتِ؛ فَلَا تُدْلِ دَلْوَكَ فِيهَا، وَلَا تَتَّخِذْهَا مَنْهَلًا... الدُّنْيَا سُلَّمٌ مَنْخُورٌ لَا يُرْكَنُ إِلَيْهِ؛ أَوْ تُشْبِهُ جُحْرَ ثُعْبَانٍ لَمْ يُدْخِلْ أَحَدٌ يَدَهُ فِيهِ إِلَّا لَدَغَهُ؛ أَوْ جِيفَةً تَدْعُو الضِّبَاعَ وَتُجْمِعُ الذُّبَابَ، وَتُنَفِّرُ الْأَسَدَ وَتُقَرِّفُ الْبَشَرَ... الدُّنْيَا امْرَأَةٌ لَا تَلِدُ، وَشَجَرَةٌ لَا تُثْمِرُ، وَسَحَابَةٌ لَا تُمْطِرُ، وَظِلٌّ لَا يَدُومُ. فَإِيَّاكَ وَالْإِعْتِمَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِعْتِمَادَ عَلَيْهَا هُوَ الْإِعْتِمَادُ عَلَى الرِّيحِ، وَمُصَادَقَتُهَا هِيَ مُصَادَقَةُ الذِّئْبِ، وَمَنْ يَقْوَى عَلَى مُصَادَقَةِ الذِّئْبِ؟! [الرسالة الثانية]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

إِيَّاكَ وَحُبَّ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا خَذَلَتْ أَشَدَّ النَّاسِ حُبًّا لَهَا. فَإِنْ كُنْتَ فِي رَيْبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَانْظُرْ إِلَى أَسْلَافِكَ، الَّذِينَ كَانُوا فِي جِوَارِكَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، وَالْيَوْمَ لَا يُوجَدُ لَهُمْ أَثَرٌ. فَانْظُرْ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَاعْتَبِرْ بِعَاقِبَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا آدَمِيِّينَ مِثْلَكَ، فَضَغَطَ رِقَابَهُمُ الْمَوْتُ، وَبَلَعَ أَجْسَادَهُمُ الْقَبْرُ، وَمَحَى آثَارَهُمُ الزَّمَنُ. أَفَحَسِبْتَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَكَ مَا أَصَابَهُمْ؟! كَيْفَ؟! وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَشَدَّ مِنْكَ قُوَّةً أَوْ أَكْثَرَ مَالًا، فَمَا نَفَعَتْهُمْ قُوَّتُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ شَيْئًا، وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ سَقَطُوا فِي هُوَّةِ الْمَوْتِ. فَلَا تُغْفِلَنَّكَ مُعَاشَرَةُ الْأَحْيَاءِ عَنِ الْأَمْوَاتِ، حَتَّى تُنَافِسَهُمْ فِي كَسْبِ الْأَمْوَالِ، وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ، وَشِرَاءِ الْآلَاتِ، وَاتِّخَاذِ الْأَزْوَاجِ، وَالْخَوْضِ فِي اللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْأَحْيَاءَ هُمْ أَمْوَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْوَاتَ هُمْ أَحْيَاءُ الْمَاضِي... كَمْ مِنْ رُقُودٍ لَمْ يَسْتَيْقِظُوا، وَكَمْ مِنْ ذَاهِبِينَ لَمْ يَعُودُوا، وَكَمْ مِنْ مَرْضَى لَمْ يَبْرَؤُوا! كُلُّ مَنْ يَعِيشُ يَمُوتُ، وَكُلُّ مَنْ يَأْكُلُ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ... [الرسالة الثانية]

في بيان أنّ الحجّة هي كتاب اللّه وخليفته في الأرض، وليست الرأي ولا الرواية.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِنَّ مَوَالِيَ بَنِي أُمَيَّةَ قَدْ أَفْسَدُوا عَلَيْكُمُ الْحَدِيثَ، فَدَعُوهُ وَأَقْبِلُوا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِيكُمْ، فَإِنَّهُمَا يَهْدِيَانِكُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ! أَلَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ: «حَسْبُكُمْ كِتَابُ اللَّهِ» وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: «حَسْبُكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَخَلِيفَتُهُ فِيكُمْ»! قَالُوا: وَمَنْ خَلِيفَتُهُ فِينَا؟! قَالَ: الْمَهْدِيُّ! [الفقرة ٣ من القول ٨]

في بيان أنّ الحجّة هي كتاب اللّه وخليفته في الأرض، وليست الرأي ولا الرواية.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدًا صَالِحًا يَقُولُ: لَا يَصْلُحُ بَالُ النَّاسِ حَتَّى يُعْرِضُوا عَنْ آرَائِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِيهِمْ، وَإِنَّ أَقْبَحَ مَا يَكُونُ أَنْ أَقُولَ لِأَحَدِكُمُ الْحَقَّ فَيَقُولَ: هَذَا خِلَافُ رَأْيِ زَيْدٍ أَوْ خِلَافُ رِوَايَةِ عَمْرٍو! ثُمَّ قَلَّبَ كَفَّيْهِ عَلَى مَا قَالَ وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ الرَّشَادِ، وَلَكِنْ مَنْ يَقْبَلُ هَذَا؟! [الفقرة ٦ من القول ٨]

في بيان أنّ الحجّة هي كتاب اللّه وخليفته في الأرض، وليست الرأي ولا الرواية.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّأْيَ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَإِنَّ الْمُحَدِّثِينَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَإِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ! قُلْتُ: وَمَا هُدَى اللَّهِ؟! قَالَ: إِمَامٌ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ! [الفقرة ١١ من القول ٨]

في بيان أنّ الرأي والرواية لا يغنيان أحدًا من خليفة اللّه في الأرض، حتّى لو لم يكن متمكّنًا من الوصول إليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُورُ الْهَاشِمِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ رَأْيٍ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ! قُلْتُ: فَمَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَاذَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ لِيُظْفَرَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ كَانَ كَمَنْ أَصَابَهُ الْعَطَشُ وَلَمْ يَظْفَرْ بِالْمَاءِ، أَرَأَيْتَ الرَّمْلَ وَالْحَصَاةَ يُغْنِيَانِ عَنْهُ شَيْئًا؟! لَا وَاللَّهِ، بَلْ يَمُوتُ عَطَشًا وَلَا يَنْتَطِحُ فِيهِ عَنْزَانِ! [الفقرة ١ من القول ٩]

في بيان أنّ الرأي والرواية لا يغنيان أحدًا من خليفة اللّه في الأرض، حتّى لو لم يكن متمكّنًا من الوصول إليه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ مِنْ بُدٍّ أَوْ مَنْدُوحَةٍ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَيَقْدِرْ عَلَيْهِ؟ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَتَفَكَّرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ يَهْلِكُ إِذَنْ! قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ صَاغِرٌ! [الفقرة ٢ من القول ٩]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْحَقِّ؟! أَحِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَفَتَنُوا أَصْحَابَهُ، أَوْ حِينَ قَتَلُوا حُسَيْنًا وَطَافُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَادِ، أَوْ حِينَ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَسَفَكُوا دِمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟! كَلَّا، بَلْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى الْبَاطِلِ مُنْذُ كَانُوا، وَسَيَكُونُونَ أَعْوَانَ السُّفْيَانِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِهِمْ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا وَضَعَهُ شِيعَةُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ وَمَرْوَانَ وَآلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ كَذِبًا، وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَقِيلَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ لِمَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: «لَا تَزَالُ الْعَرَبُ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» يَعْنِي طَائِفَةً مِنَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ وَهِيَ مِنْ أَثَاثِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالْبَأْسِ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بَعْدَ التَّخْوِيفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ؟ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامِ هُدًى حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. [الباب ١، الدرس ٢٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ صَدُوقٌ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ وَالطُّفَاوِيُّ. [الباب ١، الدرس ٢٧]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ وَعَفَّانُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الطَّائِفَةُ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْقُرْآنَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَآخِرُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، كَمَا مَضَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. [الباب ١، الدرس ٢٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» يَعْنِي غَالِبِينَ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ وَإِنْ كَانُوا مَغْلُوبِينَ بِالْقُوَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ كَانُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنَ الصِّدْقِ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا غَالِبِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ غَلَبَتُهُمْ بِالْحُجَّةِ، وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ رُسُلِهِ قُتِلُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَغْلُوبِينَ فِي الدُّنْيَا أَحْيَانًا، كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» غَلَطًا أَوْ تَحْرِيفًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ»، وَلَمْ يَجِئْ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ «يُجَاهِدُونَ -أَوْ يُقَاتِلُونَ- عَلَى الْحَقِّ»، وَلَمْ يَجِئْ أَنَّهُمْ ظَاهِرُونَ أَبَدًا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ «عَلَى الْحَقِّ» فَقَطُّ، وَهَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ الْوَارِدُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى. [الباب ١، الدرس ٢٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: لَقِينَا عُمَرَ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَنَا بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ، قَالَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَخَطَبَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَعَلَّ هَذَا كَانَ الْحَدِيثَ، حَتَّى ظَهَرَ أَهْلُ الشَّامِ فَزَادُوا عَلَيْهِ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ»، أَوْ «ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ»، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لَكَانَ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ ظُهُورِهِمْ بِالْحُجَّةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَدْ حَذَفَهُ أَبُو دَاوُدَ اخْتِصَارًا، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ. [الباب ١، الدرس ٣٠]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب إشعياء: «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلْأُمَمِ. لَا يَصِيحُ وَلَا يَرْفَعُ وَلَا يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. لَا يَقْصِفُ قَصَبَةً مَرْضُوضَةً، وَلَا يُطْفِئُ فَتِيلَةً خَامِدَةً. يُجْرِي الْحَقَّ بِأَمَانَةٍ. لَا تَرْتَخِي عَزِيمَتُهُ وَلَا تَثْبُطُ هِمَّتُهُ، إِلَى أَنْ يُثَبِّتَ الْحَقَّ عَلَى الْأَرْضِ. تَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ. هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الْأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: <أَنَا اللَّهُ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، وَتُخْرِجَ الْأَسْرَى مِنَ السِّجْنِ، وَتُحَرِّرَ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. أَنَا اللَّهُ هَذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلَا تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. هُوَذَا الْأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ أُخْبِرُكُمْ بِهَا>». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب دانيال: «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ، أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الْأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالْأُمَمِ وَالْأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ. وَالْمَمْلَكَةُ وَالسُّلْطَانُ وَعَظَمَةُ الْمَمْلَكَةِ تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ تُعْطَى لِشَعْبِ قِدِّيسِيَ الْعَلِيِّ. مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ، وَجَمِيعُ السَّلَاطِينِ إِيَّاهُ يَعْبُدُونَ وَيُطِيعُونَ». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب ملاخي: «الْمَوْلَى الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ يَأْتِي فَجْأَةً إِلَى بَيْتِهِ، سَيَأْتِي رَسُولُ الْعَهْدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ. هَذَا كَلَامُ رَبِّ الْجُنُودِ. وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ كَنَارٍ تُنَقِّي، وَكَصَابُونٍ يُنَظِّفُ. وَيَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: آتِي إِلَيْكُمْ لِأُحَاكِمَكُمْ، وَأَشْهَدَ بِسُرْعَةٍ ضِدَّ السَّحَرَةِ وَالزُّنَاةِ وَمَنْ يَحْلِفُونَ كِذْبًا وَمَنْ يَسْلُبُونَ أُجْرَةَ الْعُمَّالِ وَحَقَّ الْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَيَظْلِمُونَ الْغُرَبَاءَ وَلَا يَخَافُونِي». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في مكاشفة يوحنّا: «ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلَّا هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ <كَلِمَةَ اللَّهِ>. وَالْأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لَابِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا. وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الْأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللَّهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخِذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: <مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ>. وَرَأَيْتُ مَلَاكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ: <هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الْإِلَهِ الْعَظِيمِ، لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا>. وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الْأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الْآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الْإِثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ». [السؤال والجواب ٤٢١]

[إشارات التوراة والإنجيل إلى الإمام المهديّ وعصر حكومته] جاء في كتاب إشعياء: «هَأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلَا تُذْكَرُ الْأُولَى وَلَا تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ. لَا يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلَا شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ يَمُوتُ وَعُمْرُهُ مِئَةُ سَنَةٍ يُعْتَبَرُ شَابًّا، وَمَنْ لَا يَصِلُ عُمْرُهُ مِئَةَ سَنَةٍ يُعْتَبَرُ مَلْعُونًا، وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. لَا يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلَا يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لِأَنَّ أَيَّامَ شَعْبِي كَأَيَّامِ الشَّجَرَةِ، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. لَا يَكُونُ تَعَبُهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ نَصِيبُ أَوْلَادِهِمُ التَّعَاسَةَ. بَلْ يَكُونُونَ هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ مَعَهُمْ شَعْبًا مُبَارَكًا مِنَ اللَّهِ. وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ، وَبَيْنَمَا يَتَكَلَّمُونَ أَسْتَمِعُ. الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالْأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا». [السؤال والجواب ٤٢١]

وفقًا لهذا الحديث [حديث الرايات]، يجب على كلّ مسلم اللحوق بنهضة تظهر في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، وهي نهضة يعتقد كثير من أهل العلم أنّها نهضة المنصور الهاشمي الخراساني؛ لأنّ نهضة هذا العالم الصالح الجليل قد ظهرت في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، ولم تظهر قبلها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة، ولو ظهرت بعدها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة فرضًا ستكون لا محالة تابعة ومواصلة لها؛ لأنّها ستفعل ما بدأته من قبل، ولا معنى لإعادة بدئه كما هو واضح، وعليه فلا يمكن ظهور نهضة أخرى في هذه المنطقة بهذه الصفة إلا أن تكون تابعة لنهضة المنصور، ولا شكّ أنّ اللحوق بالمتبوع أولى من اللحوق بالتابع، بل ليس من المعقول أن لا يأمر اللّه بلحوق المتبوع ثمّ يأمر بلحوق التابع؛ كما قال: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ... لذلك، يعتقد المتعقّلون من أهل العلم أنّه لو لم تكن نهضة المنصور الظاهرة في هذه المنطقة للدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره تأويل هذا الحديث، فلن تكون أيّ نهضة بعدها تأويل هذا الحديث؛ لأنّ كلّ نهضة ظهرت بعدها في هذه المنطقة لن تخلو من إحدى الحالتين: إمّا ستكون مثلها داعية إلى المهديّ وممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث مثلها، أو ستكون غير داعية إلى المهديّ وغير ممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث من باب أولى؛ لأنّ هذا الحديث قد جعل الدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره أهمّ صفة تأويله، فإذا لم تكن النهضة التي تدعو إلى المهديّ وتمهّد لظهوره تأويله، فكيف تكون النهضة التي لا تدعو إلى المهديّ ولا تمهّد لظهوره تأويله؟! [الشبهة والرّدّ ٢٣]

لا يُحكم على قائل نظرًا إلى اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، ولكن يُحكم عليه نظرًا إلى ما يقول. فإن كان ما يقول موافقًا للعقل والشّرع فهو صادق يجب تصديقه وكذلك نصره إن احتاج إلى نصر، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ... وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وإن كان ما يقول مخالفًا للعقل والشّرع فهو كاذب يجب تكذيبه وكذلك نهيه ومنعه، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ... وقوله تعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ومن الواضح أنّ ما يقول السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ليس به خفاء؛ لأنّ كتبه ورسائله وأقواله ودروسه وما يتعلّق بها من الأسئلة والأجوبة والشبهات والردود والمقالات والملاحظات منشورة في موقعه الإعلاميّ، ويمكن لكلّ عاقل أن ينظر فيها حتّى تتبيّن له موافقة ما يقول للعقل والشّرع. فمن توقّف في الحكم عليه بعدها لعدم الإطّلاع على اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، فلا يخلو من إحدى الخصلتين: إمّا سفيه يحكم على الرّجال بالنظر إلى أوصافهم الشخصيّة الظاهريّة، فإن استحسنها مال إليهم، وإن لم يستحسنها أعرض عنهم، وكفى بذلك سفاهة، أو عدوّ لهذا العبد الصالح يتجسّسه ابتغاء السوء والفتنة، ويستطلع أوصافه الشخصيّة التي تمكّنه من الوصول إليه ليقتله أو يأخذه، من فرط بغضه وبغض ما يقول، ومن الواضح أنّه لا وجه لإعانته على ما يريد في أيّ من الحالتين؛ لأنّها إعانة على الإثم والعدوان، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

لا يخفى على ذي علم شرعيّة التقيّة في الإسلام لقول اللّه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً، وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وقوله في رجل مؤمن من آل فرعون ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وذلك من فروع قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فمن زعم أنّ التقيّة والكتمان لا وجه لهما ولا يحلّان مشكلة، فقد ناقض اللّه في قوله وادّعى أنّه شرع باطلًا! لا شكّ أنّ التقيّة والكتمان مشروعان نافعان للمؤمن المحسن الذي يخاف على دينه أو نفسه من الظالمين، والسيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى هو مثال كامل لهذا المؤمن، بل لا نعرف اليوم مؤمنًا أولى منه بالتقيّة والكتمان؛ لأنّه يدعو الناس إلى ترك طاعة كلّ حاكم أو إمام أو شيخ غير خليفة اللّه في الأرض، ولذلك يبغضه أتباع جميع الحكّام والأئمّة والشيوخ في العالم، ويتظاهرون عليه بكلّ ما في وسعهم، ولا يرتاحون حتّى يأخذوه أو يقتلوه، ولذلك لم يبق له خيار إلّا العمل سرًّا. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

من كان يريد معرفة المزيد عن سيرة هذا العبد الصالح وسلوكه وأوصافه فله طريق واحد فقطّ، وهو أن يلحق بأصحابه على بصيرة وإخلاص، ثمّ يصبر نفسه معهم ناصحًا مناصرًا، حتّى تتبيّن لهم أهليّته، فيدخلوه عليه، أو يخبروه بالمزيد عن سيرته وسلوكه وأوصافه. غنيّ عن القول أنّه ليس في جزيرة من جزائر البحر أو مغارة من مغارات الجبل، بل هو يعيش في الناس، ويعاشرهم بالمعروف، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، ويدخل مجالسهم، ويمشي في أسواقهم، ويصلّي في مساجدهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، إلا أنّهم لا يعرفونه حقّ معرفته، وليسوا على علم بحركته العالميّة، وإنّما هو عندهم رجل غريب له علم وصلاح، وأعرفهم به من يعتبره عالمًا صالحًا معتزلًا عن الدّنيا وأهلها له مجالس درس يعلّم فيها القرآن والسنّة والأخلاق الحسنة، وهو مع ذلك كثير التنقّل في الأرض لكي لا تطول إقامته في مكان فيُعرف، وذلك لأنّ له هيبة وجلالة وفضيلة ظاهرة لا تكاد تخفى على أحد، بحيث أنّه كلّما خرج على الناس مدّوا إليه الأعناق وأشاروا إليه بالأصابع لما يجدون في سيمائه من أمارات الطهارة والكمال، وهو يكره ذلك لفراره من الشهرة. هو كنز مخفيّ يظهره اللّه لمن يشاء، وما التوفيق إلّا باللّه، ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

من الواضح أنّ عقل الإنسان هو أداته الوحيدة للتشخيص؛ لأنّه إذا كان لا يمكنه التشخيص بعقله، فبأيّ عضو من أعضائه يمكنه أن يشخّص؟! نعم، يكون عقله قادرًا على التشخيص عندما لا يكون مبتلى بموانع المعرفة؛ لأنّ موانع المعرفة ستمنعه من التشخيص، وهذا هو السّبب في أنّ الكثير من الناس لا ينجحون في التشخيص؛ بالنظر إلى أنّهم مبتلون بموانع مثل الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدنيويّة والتعصّب والتكبّر والنزعة الخرافيّة، ومن ثمّ لا يمكنهم الإستفادة من عقولهم كما ينبغي. من هذا يعلم أنّ فشل الناس في التشخيص يرجع إلى «موانع المعرفة»، ولا يرجع إلى «معيار المعرفة»؛ لأنّ معيار المعرفة هو نور من الملكوت وليس فيه ظلمة، لكنّ موانع المعرفة هي التي تمنع كحجب من وصوله إلى بعض الأشياء، وتدخلها في الظلمات. [الشبهة والرّدّ ٢٦]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

من أهمّ القضايا التي تمّ تحدّيها في هذا الكتاب هي التقليد. يعتبر المؤلّف تقليد السلف وتقليد الحكّام الظالمين بمعنى اتّباعهم سببًا لانحطاط الثقافة الإسلاميّة، ويضفي الشرعيّة على انتفاضة المسلمين ضدّ الحكومات الإستبداديّة والتابعة، حتّى لو ادّعت أنّها إسلاميّة؛ كما أنّه لا يعتبر فقطّ أنّ تقليد الكفّار بمعنى اتّباع الأفكار والأنماط غير الإسلاميّة لا يؤدّي إلى التقدّم المادّي والدّنيويّ للمسلمين، بل يعتبر أيضًا أنّه يؤدّي إلى سقوط ثقافتهم وحضارتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تقليد أكثريّة الناس عملًا خاطئًا، وبعد رفض اعتبار الإجماع والشهرة كأدلّة شرعيّة بالنظر إلى طبيعتهما الظنّيّة، يوجّه انتقادات للدّيمقراطيّة من الناحية النظريّة، ويعتبرها غير ناجحة خاصّة في المجتمعات التي لم يحصل أكثريّة أهلها على ما يكفي من النموّ العقليّ. كما يرفض تقليد العلماء لأنّه مفيد للظنّ، والظنّ ليس حجّة في الإسلام، ويعتبره من أسباب الخلاف بين المسلمين منذ زمن قديم حتّى الآن. ثمّ يعتبر الإجتهاد بالمعنى المصطلح عليه وهو استنباط الحكم من الأدلّة الظنّيّة أيضًا غير مجزئ، ويرى من الضروريّ إيجاد طريقة أخرى للحصول على اليقين. فيما يلي، ينتقد المؤلّف نظريّة الولاية المطلقة للفقيه بشكل أساسيّ، ويعتبرها غلوًّا في العلماء، ويرفض إمكانها من الناحية العقلانيّة؛ لأنّه وفقًا للمؤلّف، الطاعة غير المشروطة لشخص قد يأمر عن قصد أو عن غير قصد بغير الحقّ، تتعارض مع حكم العقل والشرع. كما أنّه بالنظر إلى عواقب الإعتقاد بالولاية المطلقة للفقيه، يذكّر بأنّ الطاعة غير المشروطة لغير المعصوم وإعطاء سلطات المعصوم له هي عادة مصدر فتن مختلفة ومفاسد كبيرة مثل الإستبداد السياسيّ، وهذا سبب آخر لتجنّب هذا الإعتقاد. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

القضية الأساسيّة والمهمّة الأخرى التي تناولها المنصور الهاشمي الخراساني في كتابه «العودة إلى الإسلام»، هي قضيّة الحكومة الإسلاميّة. في رأيه، الحكم على الناس للّه وحده، ولا حقّ لأحد غيره في الحكم عليهم، وهو يمارس حكمه عليهم من خلال اتّخاذ نائب عنه يسمّى «خليفة». لذلك، فإنّ أساس تشكيل الحكومة الإسلاميّة وشرعيّتها السياسيّة هو إذن اللّه الخاصّ والمحقّق الذي لا يوجد لأيّ من الحكّام الحاليّين في العالم الإسلاميّ، وبالتالي فإنّ حكومة أيّ منهم لا تعتبر حاليًّا حكومة إسلاميّة. إنّه يعتبر أنّ احتياج الحكومة الإسلاميّة إلى تعيّن الحاكم من عند اللّه بشكل عينيّ وقطعيّ هو من القضايا الواضحة والضروريّة في الإسلام والأديان الإبراهيميّة الأخرى، بحيث أنّه لا مجال للجدال في ذلك. بالطبع، يعتقد المؤلّف، على عكس جميع علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلاميّة، أنّه من الممكن للناس الوصول إلى مثل هذا الحاكم؛ لأنّ سبب عدم تمكّنهم من الوصول إلى مثل هذا الحاكم، خلافًا لتصوّرهم، ليس حكمة اللّه، ولكن تقصيرهم في توفير الشروط اللازمة للوصول إليه، وكلّما استوفوا هذه الشروط في عمليّة عاديّة وطبيعيّة تمامًا، يتحقّق لهم الوصول إليه. لذلك، فإنّ عدم وصولهم إليه لا يعتبر عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم؛ لأنّه، من ناحية، نظرًا لإمكانيّة وصولهم إلى حاكم عيّنه اللّه، لا توجد حاجة لاختيار حاكم غيره، ومن ناحية أخرى، فإنّ عدم وصولهم إلى هذا الحاكم يرجع إلى تقصيرهم، وبالتالي لا يمكن أن يكون عذرًا مبرّرًا لاختيار حاكم غيره من قبلهم، وإن كان الظاهر عدم محيص لهم من ذلك. بناء على هذا، لا يمكن الحكومة الإسلاميّة إلا بحكومة خليفة اللّه في الأرض، ولا يمكن حكومة خليفة اللّه في الأرض إلا بإرادة وفعل من الناس. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في مكان آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام»، يعتبر الخراسانيّ أنّ إقامة الإسلام مفيدة وفعّالة فقطّ في شكلها الخالص والكامل، ويعتقد أنّ إقامة جزء منه بمفرده أو مختلطًا مع غيره ليست فقطّ غير مفيدة وغير فعّالة، بل قد تكون ضارّة وخطيرة، وهذا مخالف لتصوّر معظم المسلمين الذين يحسبون أنّ إقامة جزء من الإسلام أيضًا مرغوب فيها. إنّه يشبّه الإسلام بنظام واحد ذي أجزاء مترابطة إذا لم يعمل أحد أجزاءها تفقد الأجزاء الأخرى كفاءتها ويفشل النظام بأكمله. لذلك، ليس أمام المسلمين خيار سوى إقامة الإسلام كلّه في شكله الخالص، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا في ظلّ تعليم خليفة اللّه في الأرض. القضيّة الأساسيّة والمهمّة الأخرى في هذا الكتاب هي أنّ المؤلّف يعتبر تطبيق الحدود والعقوبات الإسلاميّة مشروطًا بتطبيق جميع الأحكام العامّة والسياسيّة للإسلام، ويعتقد أنّ تشريع هذه الحدود والعقوبات تمّ بالنظر إلى حكومة خليفة اللّه في الأرض وبالتناسب مع الزمان والمكان الذي يتمّ فيه تطبيق سائر أحكام الإسلام كعوامل رادعة. لذلك، فإنّ تطبيق هذه الحدود والعقوبات في زمان ومكان آخر غير عادل وغير مناسب؛ خاصّة بالنظر إلى أنّ أحكام الإسلام، من وجهة نظر المؤلّف، مترابطة ومتشابكة وتؤثّر على بعضها البعض وتتأثّر ببعضها البعض. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المنصور الهاشمي في جزء آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام» يعتبر اختلاف المسلمين وحاكميّة غير اللّه والإختلاط بالأمم والثقافات غير الإسلاميّة وظهور المذاهب وتنافس بعضها مع بعض والإنحطاط الاخلاقيّ ومنع الأعداء من أهمّ موانع إقامة الإسلام الخالص والكامل من بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى الآن، ويتحدّث عن كلّ واحد بالتفصيل وبنظرة تاريخيّة وباثولوجيّة ومتحرّرة من المذاهب. كما يعتبر النزعة الحديثيّة أحد موانع معرفة الإسلام الخالص والكامل وإقامته من قبل المسلمين؛ لأنّه في رأيه، الحديث بمعنى خبر ظنّيّ عن سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، نظرًا لعدم حجّيّة الظنّ في الإسلام، ليس معتبرًا ولا يكفي الإستناد إليه لاستنباط عقيدة أو حكم. إنّه يعتقد أنّ استثناء الظنّ الناشئ عن الحديث من سائر الظنون لا دليل له؛ لأنّ عدم حجّيّة الظنّ من الأحكام العقليّة، والأحكام العقليّة لا تقبل استثناء. لذلك، ليس هناك اعتبار إلا للحديث المتواتر الذي كثر رواته وأدّى إلى اليقين، وهذا في حين أنّ مثل هذا الحديث قليل جدًّا وغير متاح بما فيه الكفاية. مع ذلك، من وجهة نظر المؤلّف، فإنّ حلّ هذه المعضلة ليس الرجوع إلى الحديث غير المتواتر، بل الرجوع إلى خليفة اللّه في الأرض، وإذا لم يكن من الممكن الرجوع إليه في الوقت الحاضر، فذلك بسبب تقصير الناس في توفير مقدّماته، ومن ثمّ ليس عذرًا مبرّرًا لهم للرجوع إلى الحديث غير المتواتر. يعتقد الهاشمي الخراساني أنّ الناس بتقصيرهم في اتّخاذ الترتيبات اللازمة للوصول إلى خليفة اللّه في الأرض قد أوقعوا أنفسهم في مأزق حتّى صاروا كمن لا خيار له، وليست حالتهم هذه من عند اللّه حتّى تكون في تعارض مع لطفه. مع ذلك، فإنّه يعتقد أنّ الناس يمكنهم الخروج من هذه الحالة؛ لأنّ وصولهم إلى خليفة اللّه في الأرض ممكن عندما يضمنون أمنه؛ كما أنّ حاكميّته عليهم ممكنة عندما يضمنون نصرته وطاعته. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

المؤلّف في هذا الجزء من كتابه، بعد تعريف النبيّ الخاتم وإثبات نبوّته، يبيّن مكانة القرآن والسنّة وينبّه على نكات مهمّة وأساسيّة جدًّا في هذا الصدد. إحدى هذه النكات هي عدم إمكان نسخ القرآن وتخصيصه وتعميمه بالسنّة؛ نظرًا لأنّ شأن السنّة هو تبيين القرآن فحسب ولا يمكن أن تتعارض معه بأيّ وجه من الوجوه؛ كما أنّها ظنّيّة في أكثر الحالات وليس لديها القدرة على التعارض مع القرآن اليقينيّ، بل في الحالات التي يمكن اعتبارها متواترة أيضًا، ليست متواترة بقدر القرآن ولذلك، لا تصل إلى مستواه حتّى تنسخه أو تخصّصه أو تعمّمه. يعتبر المؤلّف في جزء آخر من كتاب «العودة إلى الإسلام» أنّ سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حجّة وقابلة للاتّباع إلى الأبد، لكنّه يعتقد أنّ الوصول إليها بشكل يقينيّ كان في أكثر الأحيان ممكنًا لأهل زمانه وليس ممكنًا للأجيال القادمة، ومن ثمّ فإنّ الأجيال القادمة يحتاجون إلى مرجع آخر للتيقّن من سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو خليفة اللّه في الأرض الذي يعتبر خليفة النبيّ في تنفيذ أوامر اللّه وهو بطبيعة الحال متاح دائمًا للناس مثل القرآن. [المقالة ١]